الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة ((37))
تكلمنا في الحلقات السابقة وقلنا أن الحكومات السابقة في الدول التي قامت فيها الثورات تحارب الإسلام وتضطهد الإسلاميين , ومن جملة ذلك أن المباحث وبوليس وأمن الدولة يراقبون المساجد ليعرفوا من يتردد عليها بالتالي يلقون القبض عليهم لإجراء تحقيقات معهم ومنعهم من الالتزام بالصلاة في المساجد , كذلك كل من أطلق لحيته يلقون القبض عليه ويجرون تحقيقات معه ويلزمونه بحلق لحيته , في حين أن الدولة السعودية تهتم ببناء المساجد وتحث المواطنين بالصلاة فيها , ولأدل على ذلك من صرفها مليارات الريالات في توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين , وفيما يلي أذكر لكم تاريخ المسجد الحرام ليتعرف القراء على مدى اهتمام الولاة الإسلاميين بالمسجد الحرام وعلى الأخص ملوك المملكة العربية السعودية .
إن المسجد الحرام لم يكن له في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جدران تحيط به , ذلك لأن البيوت والدور كانت تحيط به من كل جوانبه , وكانت أزقة بين الدور تطل على المسجد الحرام تقوم مقام الأبواب , وكانت هناك مساحة بين الدور والكعبة يطلق عليها بالمطاف .
وفي عام 17هـ أي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تم شراء الدور المجاورة للمسجد الحرام ثم هدمها وضم مساحتها إليه , وذلك من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين الوافدين إلى مكة , ثم أحيط المسجد بجدران قصيرة دون القامة , وضعت عليها المصابيح لإنارة المسجد الحرام .
وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتحويل مجرى السيل الذي يدخل المسجد الحرام والذي يطلق عليه سيل وادي إبراهيم , حيث أمر بردمه وعمل سد من الحجارة والصخور العظام , وكان هذا أول سد يعمل في مكة .
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أي في عام 26هـ ظهرت الحاجة لتوسيع المسجد من أجل استيعاب أعداد الناس المتزايدين , فقام بشراء الدور القريبة من المسجد ووسع بها المسجد وجعل له أروقة لتظلل المصلين بعد أن كان المسجد بدون سقف .
وفي العصر الأموي وفي عهد خلافة عبد الملك بن مروان سنة 75هـ أمر الخليفة برفع جدران المسجد الحرام وسقفه بالخشب الساج , وزين رؤوس الأساطين بالذهب بمقدار خمسين مثقالا لكل منها .
وفي سنة 91هـ لم يزد الوليد بن عبد الملك في المسجد الحرام بل أعاد تعميره إذ نقل إليه أساطين الرخام وعمل له يقف من الساج المزخرف , وجعل على رؤوس الأساطين الذهب , كما جعل في أعلى الجدران طبقات مزخرفة بالفسيفساء وهو أول من عمل ذلك في المسجد الحرام .
عمارة المهدي الأولى سنة 161هـ :-
وحينما حج المهدي في سنة 161هـ رحمه الله لاحظ ضيق المسجد, فأمر بأن يزاد المسجد من أعلاه , فتم شراء الدور من أهلها و أضيفت إلى المسجد , حيث أضيفت إلى المسجد أروقة جديدة بلغ عددها أثنين , وجعل دار القوارير رحبة واسعة بين المسجد الحرام والمسعى . وحينما حج المهدي سنة 164هـ لا حظ أن الكعبة لا تتوسط المسجد الحرام ذلك لأن التوسعة شملت أجزاء ثلاثة من المسجد عدا الجهة الجنوبية وذلك لوجود مجرى سيل وادي إبراهيم , ورغب أن تتوسط الكعبة المسجد , فدعي المهندسين وشاروهم وأخذ رأيهم في ذلك الأمر موضحا لهم أنه يريد توسعة المسجد مهما كلف ذلك الأمر , وكانت تلك التوسعة من أكبر التوسعات وأهمها , إذ أصبح عدد الأساطين أربعمائة وأربعا وثمانون أسطوانة , بلغ طول كل أسطوانة عشرة أذرع وقطرها ثلاثة أذرع ومعظمها ذات كراسي مذهبة , كما استخدمت النقوش والخطوط العربية علي بعض الاسطوانات , بلغ عدد الطاقات فوق الأساطين أربعمائة وثمانية وتسعون طاقا – وعلى رواية الأزرقي بأن عدد الأبواب بلغ ثلاثة وعشرون بابا تحتوي على ثلاثة وأربعين طاقا .
وقد احتوى المسجد على أربع منائر في زواياه , أحدها أنشأها المنصور العباسي عند باب العمرة , أما الثلاث الأخرى فقد أنشأها المهدي , وتقع الأولى على باب السلام , أما الثانية فنجدها عند باب علي رضي الله عنه , أما الثالثة فنجدها عند باب الوداع , وتوجد في أعلى المنائر شرفات , وكان للمسجد سقفان كل واحد منهما فوق الآخر , إذ نجد السقف الأعلى مصنوع من شجر الدوم اليماني , في حين أن السقف السفلى صنع من خشب الساج ( التيك ) وزخرفت بالذهب وكتب عليه على شكل دوائر فيها آيات قرآنية وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد بلغ عدد قناديل المسجد أربعمائة وخمسة وخمسون قنديلا , جعلت هذه الثريات في معاليق من فضة .
وقد أعتني خلفاء بني العباس بالمسجد الحرام بعد توسعة المهدي إذ اهتموا بكسوة الكعبة وصنعوها من الحرير الأسود المزين بالكتابات المنسوجة في كل بقعة من الكسوة , وزينوا أرض الكعبة بالرخام الأبيض والأحمر والأخضر . أما الجدران وعتبة الباب العليا فكسوها بصفائح ذهب منقوش , وكان الباب مصنوعا من خشب الساج والعوارض ملبسة بصفائح الفضة , ولبسوا وجه الباب بصفائح ذهب منقوش عليها نص قرآني . وكان الباب مرتفعا بمستوى مترين من مستوى الأرض , أما بالنسبة للمسجد فقد أدخلوا أعمدة الحجر في الأروقة حيث جلبوها من سامراء بالعراق , وزين الحرم بالرخام المتعدد الألوان وبالأخص في حجر إسماعيل , كما طلوا مقام إبراهيم بالذهب ووضعوا تحته سقيفة من الخشب لوقايته , وغطوا أسطح الكعبة بالرخام الأخضر, وقد أهدى هارون الرشيد منبرا منقوشا في تسع درجات إلى الحرم المكي الشريف . وفرشوا منطقة بئر زمزم بالرخام وسقفوا منطقة بئر زمزم بالساج المذهب من الداخل وجعلوا أعلى القبة الفسيفساء.
وحدث أن شب حريق في المسجد الحرام في جانبه الغربي بسبب حريق اندلع في أحد الأربطة المجاورة له , وكان ذل في عهد السلطان المملوكي الناصر فرج بن برقوق , فقام الأمير بزيست الظاهري بعمارة المسجد الحرام نيابة عن السلطان .
العصر العثماني :-
وفي سنة 960هـ قام السلطان سليمان بتغير سقف الكعبة كما جدد سطحها , وأمر بأن يفرش المطاف , كما أمر بعمل منبر رخامي مطعما بالمرمر وأقام منارة عليه .
وفي سنة 979هـ أمر السلطان سليم بإعادة بناء المسجد الحرام وأسند العمل إلى المهندس المعماري سنان باشا , وقد استخدمت القباب الدائرية بدلا من الأسقف الخشبية . وحينما تولى السلطان مراد الخلافة بعد وفاة والده قام بتكملة المشروع الذي بدأه والده حتى أتمه في عام 984هـ . وقد استخدمت الأعمدة الرخامية واستخدمت الأعمدة المتبقية من عمارة المهدي ليصبح عدد الأعمدة 589 , وبلغ عدد العقود 881 عقدا في جوانب المسجد الأربعة , وقد احتوى المسجد على 152 قبة وزعت على جهاته الأربعة , حيث بلغت مساحة المسجد بعد التوسعة (28003 ) مترا مربعا .
عمارة السلطان مراد سنة 1039هـ :-
حدث أن سقطت أمطار غزيرة في مكة المكرمة الأمر الذي جعل السيل يدخل الحرم مخترقا الكعبة مما أدى إلى سقوط الجدار الشامي وبالتالي فقد سحب معه الجدارين الشرقي والغربي والسقف مما دعي إلى إعادة بناء الكعبة , حيث أزيلت جميع الجدران وحفر في باطن الأرض حتى وصل الحفر عند الأساس الذي وضعه سيدنا إبراهيم عليه السلام , ومن ثم أقيم البناء الجديد عليه , وجعل الباب من الفضة الخالصة وكسيت أعمدة الكعبة من الذهب واستخدم البناؤون القباب بدون الأسقف الخشبية وزينوها بزخارف مذهبة وخطوط متقنة , وقاموا بكسوة الأرض بالرخام وخاصة حول أرضية الكعبة بدلا من البلاطات كما أضافوا منارة مدرسة السلطان سليمان إلى المنائر الست في المسجد لتصبح سبعا .
التوسعة السعودية :-
كانت التوسعة السعودية الأولى في سنة 1375هـ , وقد شملت توسعة المسعى والجهة الجنوبية من المسجد الحرام والتي تم تنفيذها على مراحل .
المرحلة الأولى : وكانت في عام 1377 – 1378 هـ وكانت ماثلة في تحويل الطريق العام الذي كان يخترق المسعى , وتم إنشاء المسعى بطابقيه الذي يبلغ طوله من الداخل 394,5 مترا , وعرضه عشرين مترا , وارتفاع طابقه الأول اثني عشر مترا , أما طابقه الثاني فبلغ ارتفاعه تسعة أمتار, وتم تحويل مجرى السيل الذي كان يمر من أمام الحرم عبر الطريق الذي كان يخترق المسعى .
المرحلة الثانية : وكانت في عام 1379- 1380هـ وتم فيها بناء الرواق الجنوبي الممتد بين باب أم هاني , وباب إبراهيم بطابقيه الأول والثاني , وطابق البدروم وشيدت ثلاث منارات في هذا الجانب .
المرحلة الثالثة : سنة 1382هـ وقد تم من خلالها إزالة المباني القائمة في المواقع المراد بناء الرواق الغربي عليه , ثم أقيم الرواق الغربي بطوابقه , البدروم والطابقين الأول والثاني بارتفاع مماثل للرواق الجنوبي , وقد تم بناء منارتين بجوار باب العمرة .
المرحلة الرابعة :- وقد تم في هذه المرحلة إنجاز مباني الجانب الشمالي والذي يمتد من باب العمرة إلى باب السلام , وأقيمت منارتان قرب باب السلام , وتم تنفيذ باب السلام على غرار باب الملك عبد العزيز , كذلك باب العمرة , كما تم ربط الرواق الشمالي بمبنى المسعى , وبهذا أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد التوسعة مائة تسعة وخمسين ألف متر مربع بعد أن كانت ثمانية وعشرين ألف متر مربع .
الأبواب : بلغ عدد الأبواب بالمسجد أربعة وستون بابا موزعة على مختلف جهاته .
1- باب الملك عبد العزيز ويقع في الجهة الجنوبية , ويعتبر أكبر الأبواب وتقع على جانبي الباب منارتان وبجواره يقع سبيل ماء على يسار الداخل إلى المسجد .
2- باب العمرة : وهو يشبه باب الملك عبد العزيز طرازا , إذ تقع على جانبيه منارتان , أما الباب فإنه يقع في الجهة الجنوبية من المسجد .
3- باب السلام الكبير : وهو يشبه سابقيه من حيث التصميم والطراز والمنائر , ويقع في الجهة الشمالية من المسجد .
المنائر : بلغ عدد منائر المسجد سبع منارات وهي تحدد حدود المسجد وبلغ ارتفاع كل منها 92 مترا ولكل منها شرفتان متشابهتان .
المقام :- لقد وضع مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام داخل حجرة زجاجية مبنية على قاعدة رخامية بلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار .
بئر زمزم :- كانت بئر زمزم يوصل إليها من جانب الكعبة وكانت مسقوفة , ونظرا للحاجة الملحة لتوسعة صحن الحرم من أجل إيجاد مساحة كافية للطواف حول البيت فقد أزيلت المظلة وجعلت البئر في بدروم تحت الأرض لينزل إليها بدرجتين منفصلتين .
المنبر :- إن المنبر الموجود حاليا يرجع أساسه إلى زمن السلطان سليمان العثماني , وهو يرتفع اثني عشر مترا , ويحتوي على ثلاث عشرة درجة وتعلوه أربعة أعمدة مرمرية تحمل قبة مستطيلة من الخشب المصفح بألواح الفضة المطلية بالذهب ويعلو القبة هلال , وقد زخرف المنبر بآيات قرآنية.
وقد نوه عدد من المسئولين ورؤساء الدوائر الحكومية بالعاصمة المقدسة بمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام الذي وضع حجر الأساس له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله خلال شهر رمضان المبارك في سنة 1431هـ لخدمة وراحة قاصدي بيت الله الحرام من الزوار والمعتمرين والحجاج , بتكلفة بلغت أكثر من 80 مليار ريال.
وأكدوا في تصريحات لهم أن هذه التوسعة تجسد مدى اهتمام خادم الحرمين الشريفين وحرصه رعاه الله على تحقيق كل ما يمكن وفود الرحمن من أداء نسكهم وعباداتهم بكل يسر وسهولة وراحة واطمئنان وتوفير الرعاية الشاملة لهم وتسخير جميع الإمكانات لتوفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين والزوار ليتسنى لهم أداء نسكهم بيسر وأمان.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
سامي زين العابدين حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق