الاثنين، 19 سبتمبر 2011

كيف تحكم أمريكا العالم ( 1- 10 )


كيف تحكم أمريكا (1)
قبل أن نبدأ بالكلام عن كيف تحكم أمريكا نود في عجالة أن نتطرق إلى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت في القرن الخامس عشر قارة مجهولة عن العالم هي وأمريكا الجنوبية وأجزاء كثيرة من قارة أفريقيا، وحينما بدأ البرتغاليون والأسبان في البحث عن طريق يؤدي إلى شرق آسيا لاستيراد التوابل

من هناك حيث كانت الدولة العثمانية تسيطر على الطريق المؤدي إلى شرق آسيا، فقام الرحالة البرتغاليون أولا بالقيام برحلات حول أفريقيا حتى وصولوا إلى رأس الرجاء الصالح، ومنه اتجهوا إلى شرق آسيا لاستيراد التوابل والشاي من هناك
، إلى أن أتى (أمريكيو فسبوتشي) وهو رجل إيطالي من عائلة فلورنسية عمل في أول حياته في السلك الدبلوماسي ثم التحق بخدمة (آل مدينتسي) الذين انتدبوه إلى إسبانيا ليشرف على مصالحهم التجارية هناك، وقد اهتم بأن يقوم بتكملة ماقام به (فاسكو دوجاما) حيث أن الأخير حينما اكتشف سواحل أمريكا الجنوبية ظن أنها قطعة من شرق آسيا، إلا أن (أمريكو فسبوتشي) شك في هذه المعلومة وأحب أن يتأكد منها وقام بأول رحلاته فاكتشف سواحل أمريكا الشمالية وعرف أن هذه أراض جديدة وليست قطعة من شرق آسيا، لذا أطلقوا عليها قارة أمريكا.
وبدأ التفكير باستعمار أمريكا في عهد الملكة اليزابيث 1558/ 1603الذي شغل طيلة النصف الثاني من القرن السادس عشر والذي امتاز بالازدهار وبالسلم الداخلي، ففي هذا العهد أظهر الانجليز اهتماما كبيرا بالبحر وبصناعة السفن زاد في قوة انجلترا خاصة بعد تحطيم أسطول اسبانيا القوي في 1588 مما أدى إلى انتقال السيادة على البحار إلى الانجليز.
وبعد وفاة الملكة (اليزابيت) خلفها على العرش (جيمس الأول) سنة 1603، وفي عام 1620 صدر امتياز جديد يقضي باستعمار كل الأراضي الواقعة بين خطي العرض 40 و 48 شمالا، أي كل الأراضي المعروفة باسم انكلترا الجديدة، ولم يكن المهاجرون الأوائل إلى هذه الأراضي من المغامرين أو الباحثين عن الثروة وإنما كانوا من االهاربين من الاضطهاد الديني في أوربا، وبسرعة أخذت بعد ذلك تتوطد الأمور على ساحل (ماساشوستس) وخاصة بعد أن وفدت عليها جماعات كثيرة من البيورتانيين عليها، أما في المناطق الجنوبية من الساحل فقد كان تدفق المهاجرين شديدا أيضا.
وكذلك هاجر الفرنسيون من فرنسا بين سنتي 1660 و 1690 بسبب الاضطهاد الديني، وكذلك هاجر الألمان بسبب حروب (لويس الرابع عشر) ثم تبعهم اليونان والايطاليون والسويديون والإسبان، إلا أن الانكليز كانوا يشكلون الأغلبية العظمى بين السكان، وفي مطلع القرن الثامن عشر وقبل استقلال أمريكا بفترة طويلة كان كل الشاطئ الشرقي لأمريكا الشمالية والواقع بين خليج سان لوران في الشمال وولاية فلوريدا الاسبانية في الجنوب قد استعمر من قبل الانجليز وانقسم إلى ثلاثة عشر مستعمرة ترفع كلها دون استثناء العلم البريطاني، وهي مستعمرات الشمال وهي (نيوهامشاير، ومساتشوستش وكونكتكت ورود ايلند) وفي هذه المستعمرات ظهرت أولى الجامعات الأمريكية (هارفرد سنة 1636).
أما مستعمرات الجنوب فهي (مريلاند، فرجينينا، كارولينا الجنوبية، وجورجيا)، والمستعمرات الوسطى وهي (نيويورك ونيوجرسي وديلاوار، وبنسلفانيا).
وفي سنة 1763 وعقب معاهدة باريس كان يبدو في الظاهر أن النصف الشمالي للقارة الأمريكية قد استقر نهائيا ضمن نطاق الامبراطورية البريطانية، فكل شيء يشير إلى شدة الترابط بين الوطن الأم ومستعمراته في أمريكا، فسكان الأراضي الجديدة لم يحاولوا أن يؤسسوا لهم مدنية جديدة إنما كانت حياتهم امتدادا لما ألفوه في وطنهم الأصلي.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752


 


كيف تحكم أمريكا (2)

الحالة السياسية: كانت أنظمة الحكم تختلف من مستعمرة إلى أخرى، فينما كانت ولايتا (رود ايلند وكونكتكت) تمارسان نوعا من الاستقلال الذاتي بموجب شرعية تأسيسهما كانت مستعمرات أخرى مثل (نيويورك ونيوجيرسي وفرجينيا وكارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية وجورجيا ونيوهامشاير وماساشوستس) تعتبر من أملاك التاج الإنجليزي، ويتولى الملك تعيين حكامها، كان هناك نوع آخر من المستعمرات (ميري لاند  ودويلاوير وبنسيلفانيا) يخص أفراد أو شركات يتولون هم تعيين حكامها.
كان لهذا الحاكم سواء عينه الملك أم أصحاب المستعمرة سلطة واسعة، فهو الذي يدعو المجلس التمثيلي للمستعمرة ويتولى الإشراف على شئون الأمن وإدارة القوات المحلية، وكان يساعد الحاكم مجلس استشاري يضم اثني عشر عضوا معينين من قبل السلطة التي عينت الحاكم، وسلطة هذا المجلس استشارية وفي بعض الأحيان كان يقوم بدور السلطة القضائية العليا في المستعمرة، أما السلطة التشريعية الأساسية فكانت بيد المجلس التمثيلي الذي يجري اختيار أعضائه بالانتخاب العام من قبل سكان المستعمرة.
وكان للملك في بريطانيا وللحاكم أيضا سلطة النقض بالنسبة لقرارات هذا المجلس، ما عدا حق فرض الضرائب ففي المجال المالي كان لسكان المستعمرات ممثلين بمجالسهم المنتخبة سلطة مالية واسعة إذا وجدوا في تصرفاته مايخالف رغباتهم ومصالحهم وقد حاولت الإدارة الاستعمارية ولفترة طويلة وضع الموارد المالية الأميركية تحت إشراف خزينة التاج الملكي في لندن ولكن دون نتيجة وكثيرا ماكان السكان يفرضون إرادتهم على الحاكم إذ يهددونه بالتوقف عن دفع مرتبه ومرتب سائر الموظفين مالم يوافق على مطالبهم.
أما برلمان انجلترا فكانت له السلطة العليا في مجال التشريع في كل أنحاء الامبراطورية ومنها بالطبع المستعمرات الأمريكية ماعدا الشئون الضرائبية، ولكن رغم هذا فإن قراراته قليلا ماكانت تصل إلى أمريكا وتنفذ فيها نظرا لبعد المسافة واختلاف البيئة وظروف الحياة.
وهكذا نرى أنه حتى قبل استقلال المستعمرات بقليل فإن السكان لم يكونوا يشعرون بوطأة الحكم البريطاني من الناحية السياسية، ولعل هذا ماجعلهم يحافظون على ولائهم للملك والتمسك بانتمائهم سياسيا للإمبراطورية البريطانية إلا أننا نستطيع أن نميز في المجال السياسي اتجاهات جديدة عند الأمريكيين أخذت تظهر بعد سنة 1763 بوضوح أكثر لتميزهم عن سكان الجزر البريطانية.
بدأ يشعر سكان الولايات المتحدة بأن انفصالهم عن التاج البريطاني هو أجدى لهم وأنفع خاصة بعدما فرضت عليهم ضريبة السكر في عام 1764 أو قانون السكر الذي بموجبه فرضت ضرائب جمركية على العسل والنبيذ والحرير والبن وبعض الكماليات الأخرى، وفي سنة 1765 تقرر فرض ضريبة يخصص حاصلها لتسديد مصاريف الدفاع عن المستعمرات عرفت باسم ضريبة الدمغة وتقضي هذه بأن يلصق طابع يتراوح ثمنه بين ستة بنسات وستة جنيهات على الصحف والمجلات والوثائق والمستندات التجارية وعقود البيع والرهن، لقد أثار هذا القانون عاصفة شديدة من المقاومة عمت كل أرجاء المستعمرات الثلاث عشر، ومما زاد في الضجة ضد القانون المذكور كونه أصاب بالدرجة الأولى أصحاب الصحف والكتاب ورجال الأعمال والمال، ولهؤلاء نفوذ قوي على الكلام والتأثير في الرأي العام، ولم تلبث روح المعارضة أن انتشرت في كل أنحاء البلاد، وأمام تزايد العداء لهذه القوانين في أمريكا ومقاطعة التجار الأمريكيين للبضائع الانجليزية وتدخل التجار الانجليزي الذين تأثروا بالمقاطعة تراجع برلمان انجلترا عن قانون الدمغة كما عدل عن مواد قانون السكر، إلا أنه أقر قانونا يؤكد صلاحية البرلمان الانجليزي لفرض الضرائب على المستعمرات.
ورغم تراجع الحكومة البريطانية عن ضريبة الدمغة لم تتراجع عن مخططها القاضي بدمج المستعمرات الأمريكية في الإمبراطورية البريطانية وإلزام سكانها بالمساهمة في نفقات الدفاع وأصدر وزير المالية آنذاك (تاون شفر) ضريبة على الورق والشاي والزجاج والرصاص المستورد إلى المستعمرات وقد قام الأمريكيون بمعارضة هذه الضرائب.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752

 


كيف تحكم أمريكا (3)

وأمام اشتداد المعارضة تراجع البرلمان وألغى الضرائب ماعدا ضريبة الشاي، ثم بعد ذلك سُنت قوانين عديدة لايفسح المجال لذكرها بالتفصيل، الأمر الذي جعل الأمريكيون يعارضون معارضة شديدة. وبدأ الأمريكان يطالبون بالاستقلال عن طريقة المقاومة والحرب وكان قائد جيوش أمريكا جورج واشنطن وبدأت الحرب في عام 1776 وأخذت الحرب بين كر وفر وتراجع الجيش الأمريكي وتقدم الجيش البريطاني وبعد أعوام عديدة استطاع الجيش الأمريكي إلحاق الهزيمة بالجيش البريطاني في عام 1781، وفي 3 سبتمبر 1783 بات الأمريكيون أحرارا في أن يقيموا تجمعا جديدا وفق الأفكار السياسية التي آمنوا به، وفي 25 مايو سنة 1787 التقى في (فيلادلفيا) 55 مندوبا يمثلون اثنتي عشر ولاية عدا (رد ايلاند) وقد اختار الجميع (جورج واشنطن) رئيسا للمؤتمر وتمكن بعض الزعماء مثل (ماديسون وهاملتون) من السيطرة على الأكثرية وتوجيه المؤتمر نحو تحقيق نظام حكومي جديد، واقروا إلغاء شروط الاتحاد الكونفدرالي وأخذوا يعملون لوضع دستور جديد للبلاد.
وفي أثناء جلسات عمل المؤتمر تقدم عرض على المؤتمر بمشروعين أحدهما هو مشروع (فرجينيا) الذي قدمه (ماديسون) المعروف بأبي الدستور الأمريكي والذي يمثل مصالح الولايات الكبرى ويقترح فيه (ماديسون) شكلا لحكومة وطنية يتولى السلطة التشريعية فيها مجلسان أحدهما يمثل فيه الولايات بما يتناسب وحجمها وثروتها وينتخب الشعب الأمريكي المجلس الآخر، ويهدف مشروع فرجينيا إلى الإقلال من سلطة مجالس الولايات وجعل المواطنين يمثلون في الكونغرس ويحكمون من قبله وفي هذا تجاوز لسلطات الولايات.
أما مشروع نيوجرسي كان أكثر حذرا ويمثل مصالح الولايات الصغيرة المتخوفة من سيطرة الولايات الكبيرة وطغيانها وسيطرتها على الكونغرس إذ أقر مشروع فرجينيا وطالب مندوب نيوجرسي بمجلس واحد تتساوى فيه الولايات في التمثيل على أن يمنح الكونغرس السلطة لفرض الضرائب، وتنظيم التجارة.
وبعد مداولات في المؤتمر توصل الفريقان لاتفاق يقضي بأن يتألف الكونغرس الجديد من مجلسين مجلس النواب، ومجلس الشيوخ على أن تمثل في المجلس الأعلى كل ولاية بعضوين مهما بلغ تعداد سكانها ومساحة أراضيها، أما المجلس الآخر فينتخب نوابه مباشرة من قبل الشعب وترسل كل ولاية عددا من النواب يتناسب مع عدد سكانها.
وقد واجهت المؤتمر عقبة أخرى متمثلة بأن مندوبو الولايات الجنوبية طالبوا بأن يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد عدد نواب كل ولاية في مجلس الممثلين مافيها من العبيد والأرقاء.
بالرغم من أن هذه الولايات لم تكن تعطيهم حق الاقتراع وذلك لزيادة ممثليها وبعد نقاش وتسويات عديدة اتفق المؤتمرون على أن يحسبوا ثلاثة أخماس المواطنين العبيد ضمن سكان الولاية وبذلك يزداد عدد ممثليها في المجلس ثم جرى بحث قضية تحديد صلاحيات كل من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات ووافق المؤتمرون على إعطاء السلطات الفيدرالية الصلاحيات الكبرى العائدة للمصالح المشتركة بين الولايات الأعضاء كالضرائب التي عينها والنظام والأمن العام في الأراضي الأمريكية والدفاع عنها والشئون الخارجية والاقتصاد العام والجمارك والنقد والتجارة الدولية.
فسلطة الحكومية الفدرالية إذا محدود في المجالات المذكورة أعلاه، بينما بقيت سلطات الولايات ضمن أراضيها، بمعنى أن لها الحق والحرية في ممارسة كل الصلاحيات والشئون التي لاينص الدستور على جعلها من حق الحكومة الفيدرالية وكل واحدة من الولايات الأمريكية حرة في اختيار حكوماتها ومجالسها وقوانيها وهي لاتخضع بشكل من الأشكال لسلطان الحكومة المركزية ورقابتها.
وقد تم الاتفاق أيضا على جعل الدستور الأمريكي المقترح قابلا للتعديل ضمن شروط محددة، وقد دخل عليه بالفعل منذ وضعه موضع التنفيذ حتى الآن أكثر من اثنين وعشرين تعديلا اقتضتها ضرورات تطور وأحداث الحياة الأمريكية.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752

 


كيف تحكم أمريكا (4)

وأخيرا جرى الاتفاق على شكل الحكومة الفدرالية ، فأقر المؤتمرون أن تكون ذات سلطات ثلاث منفصلة هي:
1 – السلطة التنفيذية التي أقرها الدستور جعل السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية الذي يمثل الدولة بكاملها، وهو مسئول فقط أمام الشعب الأمريكي وليس أمام البرلمان كما هي الحالة في الأنظمة الديمقراطية، إلا أنه يمكن محاكمته أمام الكونغرس إذا اقترف جرائم عظمى، ويجري انتخاب الرئيس ونائبه بواسطة مندوبين ثانويين يتساوى مع عدد ممثليها في مجلس الكونغرس، ويجري هذا الانتخاب حكما في أول اثنين من شهر أكتوبر وترسل كل ولاية نتيجة الانتخابات فيها إلى رئيس الكونغرس الذي هو في نفس الوقت نائب رئيس الولايات المتحدة، وهو الذي يتولى جمع الأصوات والمرشح الذي ينال أكبر عدد من أصوات المرشحين الثانويين يكون هو الفائز شرط أن يحرز أكثر من نصف عدد المندوبين الثانويين الفائزين ومدة ولاية الرئيس ونائبه هي أربع سنوات يمكن تجديدها، وفي حالة وفاة الرئيس أو انقطاعه لسبب ما عن ممارسة سلطاته يحل نائبه مكانه حكما، ويكمل مدته، وإذا توفي نائب الرئيس أو استقال حل مكانه رئيس مجلس النواب.
أما سلطات الرئيس فهي واسعة جدا فهو الذي يمارس صلاحيات السيادة، وهو القائد الأعلى للجيش والبحرية وهو الذي يعقد المعاهدات مع البلدان الأجنبية شرط أن يوافق عليها مجلس الشيوخ، وكذلك يعين السفراء وقضاة المحكمة العليا وكبار موظفين الاتحاد بموافقة المجلس المذكور، ويساعد الرئيس موظفون إداريون يعينهم هو بعد موافقة الكونغرس ويكونون مسئولين تجاهه وحده ولا يحضرون جلسات الكونغرس ويكونون مسئولين أمامه، ويسمى هؤلاء ناظرا أو سكرتيرا، ومنهم ناظر الشئون الخارجية وناظر المالية وناظر الحربية والمدعى العام.
ويشكل هؤلاء مجلسا يساعد الرئيس في أعماله دون أن تكون قراراته ملزمة للرئيس ويسمى هذا المجلس كابنتCabinet، أما نائب الرئيس فدوره محدود بموجب الدستور فهو فقط يرأس مجلس الشيوخ ويحل محل الرئيس إذا توقف عن ممارسة سلطته.
أما في مجال التشريع بالرغم من أن الدستور يجعل وضع القوانين من حق الكونغرس وحده إلا أن العادة جرت أن يتمنى الرئيس على الكونغرس صياغة قانون ما إذا وجد ضرورة لذلك كما أن للرئيس الحق في أن يعيد للكونغرس أي قانون يرسل إليه ليوقعه، فإذا أصر الكونغرس بأغلبية ثلثيه على القانون المعاد فعلى الرئيس قبوله، كما أن على الرئيس أن يكون أمينا على تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.
2 – السلطة التشريعية: إن السلطة التشريعية بموجب المادة الأولى من الدستور الأمريكي منوطة بمجلس الكونغرس الذي يتألف من مجلسين: الأول مجلس النواب ويتألف من نواب ينتخبهم جميع المواطنون الأمريكييون الذين لهم حق الانتخاب بصورة مباشرة، وبنسبة نائب واحد لكل ثلاثين ألف مواطن، وبذا تتمثل كل ولاية بعدد من النواب يتناسب مع عدد سكانها، أما شروط الانتخاب فتحددها كل ولاية لوحدها شرط أن تراعى فيها المبادئ الأساسية التي أقرها الدستور، وهي المساواة التامة بين المواطنين، ويشترط في المرشح أن يكون قد بلغ الخامسة والعشرين من العمر، وأن يكون أمريكيا منذ سبع سنوات على الأقل، ومدة هذا المجلس سنتان فقط.
والمجلس الثاني مجلس الشيوخ: إذا كان مجلس النواب يمثل عامة الشعب الأمريكي فإن مجلس الشيوخ يمثل الصفة الاتحادية للدولة الأمريكية، فلكل ولاية أن تمثل فيه بمندوبين مهما كان عدد سكانها ومساحتها، وبذا فإن الولايات تتساوى في التمثيل والنفوذ داخل هذا المجلس.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752

 


كيف تحكم أمريكا (5)

وقد جاءت هذه المساواة من جهة للمحافظة على حقوق الولايات الكبرى في الكونغرس من ناحية، ومن ناحية ثانية للحؤول دون الاتجاه نحو حكومة موحدة، وكان الشيوخ حتى سنة 1713 ينتخبون من قبل مجالس الولايات ولكن بعد التعديل الذي أدخل على الدستور الأمريكي في السنة المذكورة صار الشيوخ ينتخبون من قبل الشعب مباشرة.
والشروط المفروض توفرها في الناخب لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ هي نفسها المطلوب توفرها لانتخاب أعضاء مجلس النواب، ويفترض في المرشح لدخول مجلس الشيوخ أن لايقل عمره عن ثلاثين سنة وأن يكون أمريكيا منذ تسع سنوات، ومدة ولاية الشيخ هي ست سنوات ويجري انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ مرة كل سنتين، وقد قصد من ذلك المحافظة على الاستمرار في سياسة المجلس وأعماله، ويرأس هذا المجلس نائب رئيس الولايات المتحدة.
وللكونغرس بصفته الهيئة التشريعية العليا في الحكومة الاتحادية سلطة سن القوانين في المجالات التي تتعلق بالنواحي الوطنية والسياسة الخارجية، ومن صلاحياته الهامة فرض الضرائب وجبايتها، وعقد القروض باسم الحكومة الاتحادية وتسديد الدين العام وسك العملة وحمايتها وحماية الأسهم وتحديد الموازين وتنظيم التجارة الخارجية وتأسيس مكاتب البريد والعمل على تقدم الفنون والعلوم وإصدار قوانين الجنسية.
وللكونغرس صلاحيات واسعة في شئون الدفاع وإعلان الحرب وتشكيل الجيوش وقيادتها، وله أيضا حق قبول ولايات جديدة في الاتحاد.
3 - السلطة القضائية: وتمارس السلطة القضائية في الحكومة الاتحادية بموجب الدستور الأمريكي المحكمة العليا والمحاكم الفدرالية الأدنى التي يعينها الكونغرس، وتتألف المحكمة العليا من رئيس وثمانية قضاة آخرين يعينهم رئيس الولايات المتحدة بعد موافقة مجلس الشيوخ، ويتوخى الرئيس عادة في اختياره القضاة هذه المحكمة أن يمثل أعضاؤها جميع أقاليم البلاد ومذاهبها الدينية قدر الإمكان، ويعين هؤلاء لمدى الحياة مقابل مرتبات ضخمة. وتنظر هذه المحكمة في النزاعات الناشئة بين الولايات الأميريكية وفي الدعاوى المقامة من الحكومة الاتحادية من قبل الولايات أو الأفراد، وبصورة عامة تنظر في جميع الدعاوى التي تطبق عليها القوانين الاتحادية.
وأهم صلاحيات المحكمة المذكورة هي التأكد من دستورية القوانين الصادرة عن الكونغرس أو مجالس الولايات، وتأتي بعد المحكمة العليا المحاكم الفدرالية الموزعة في جميع أنحاء البلاد للعمل على صيانة القوانين الفدرالية.
وفي أيلول سبتمبر 1789 توصل المؤتمرون إلى صيغة دستور جديد للبلاد الأمريكية يقيم حكومة فيدرالية، وفي اليوم السابع عشر من أيلول سبتمبر 1789 وقع جميع المندوبين وثيقة الدستور الجديد الذي يقيم حكومة فدرالية قوية دون أن يقضي على كيانات الولايات، ويعود الفضل الأكبر في وضع نصوصه إلى ماديسون الذي يعرف في التاريخ الأمريكي بأبي الدستور، وقد أقرته تسع ولايات من ثلاثة عشرة ولاية آنذاك، وبهذا أصبح نافذ المفعول.
إن لنظام الحكومات الوضعية أربعة أنواع هي: النظام الرئاسي. 2 – النظام البرلماني. 3 – نظام حكومة الجمعية. 4 – النظام الشيوعي.
ولقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية النظام الرئاسي، ويرجع مصدر النظام الرئاسي إلى دستور الاتحاد الأمريكي الصادر سنة 1787، إذ أخذت عنه بعض الدساتير في دول أمريكا اللاتينية كالأرجنتين وشيلي وبوليفيا، كما نجد أن فرنسا طبقته في دستور الجمهورية الثانية الصادر سنة 1848، كما نجد بعد الحرب العالمية الأولى أخذت به ألمانيا في دستور (فنجر) سنة 1919، كما نجد أن سوريا أخذت به في عهد حكومة الشيشكلي في دستور سنة 1956، كما نجده في دستور جمهورية مصر العربية الصادر سنة 1956، ودستور الجمهورية العربية المتحدة الصادر في سنة 1958، كما نجد أن فرنسا اتجهت إليه في دستور سنة 1958.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس    8266752

كيف تحكم أمريكا (6)
ونجد أن هذا النوع من النظام يرتكز أساسا على مبدأ فصل السلطات، وهو أن يتم توزيع السلطة إلى هيئات متعددة، على أن تكون كل هيئة مستقلة تمام الاستقلال عن الأخرى دون أدنى تعاون أو رقابة متبادلة بينهما، إذ نجد أن السلطة التشريعية مستقلة كل الاستقلال في أداء واجباتها وممارسة مهماتها عن السلطة التنفيذية، وهذه أيضا هي الأخرى مستقلة في ممارسة اختصاصاتها عن السلطة الأولى، وذلك دون تعاون أو ترابط أو أي علاقة متبادلة تربط هاتين السلطتين عند قيامها بأداء واجباتها، ومن هنا نجد أن النظام الرئاسي يحكم على أساس مبدأين أساسيين هما: الاستقلال العضوي. والتخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن يكون لكل عضو من الأعضاء الثلاثة للدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية استقلاله الذاتي في مواجهة القصور من الآخرين، حتى لايكون خضوع أي عضو لأي إجراء من شأنه أن ينقص هذا الاستقلال، لأن هذا يعطيهم الحرية في اختيار ممثليهم وفي مزاولة الوظيفة المسندة إلى كل منهم، من جانب آخر ذلك لأن اختيار الممثلين عادة مايتم عن طريق انتخابهم من الشعب، إذ نجد أن رئيس الجمهورية ينتخب عن طريق الناخبين مثله في ذلك مثل أعضاء الهيئة التشريعية، كما نجد أن كل عضو يزاول الوظيفة في المدة المحددة لها.
أماالتخصص الوظيفي، فيقصد به أن كل عضو يجب أن يختص بوظيفة معينة، إذ لايجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها حتى لايدخل في اختصاص عضو آخر، وبهذا فإن وظيفته تقتصر على نوع معين له العمل، فإذا كان هو ضمن السلطة التشريعية فيبقى عمله مقصورا عليها، كما أن الأعضاء الذين يعملون ضمن السلطة التنفيذية يكون عملهم مقتصرا عليها، وهكذا بالنسبة للسلطة القضائية التي تنحصر مهمتها في تطبيق القانون على المنازعات التي ترفع إليها حتى لاتتجاوزها إلى عمل آخر، وبهذا نجد أن النظام الرئاسي يتميز بالتالي:
1/ تجمع السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة المعين بالانتخاب.
2/ إن جميع الوزراء يخضعون خضوعا تاما لرئيس الدولة وحده، وهو بهذا له حق التعيين والعزل.
3/ فصل السلطات في الدولة، وهذا يعني أنه لايوجد تعاون أو ترابط بين هذه السلطات، بل بالعكس يوجد ترابط وتعاون بين هذه السلطات إلا أنه لاتخضع كل سلطة لأي سلطة أخرى مباشرة، ولكن يتوجب عليهم التعاون كي تستطيع الدولة أداء واجباتها بطريقة مرضية حتى يتحقق الصالح العام، وعادة مانجد هنا أن الرئيس يجمع مابين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة معا، كما أنه لايوجد مجلس وزراء بالمعنى المفهوم، إذ لايحق للمجلس أن يهيمن على مصالح الدولة أو يختص برسم السياسة العامة لها، ذلك لأن الوزراء هم مجرد معاونين للرئيس، وإذا اجتمع بهم فإنه ذلك غالبا مايكون من أجل التشاور والمداولة، ذلك لأنه له الحق بالانفراد بالرأي النهائي، أي القرار النهائي، وبهذا فإنه ليس للوزراء شخصية إذ يطلق عليهم في النظام الرئاسي (سكرتير الدولة) ويطلق على الوزارة مصالح، والرئيس غير مقيد بآراء الوزراء ولو كان إجماعهم على رأي واحد، ورئيس الجمهورية هو المختص بتعيين أعضاء الحكومة، إذ نجدهم جميعا يرتبطون به وحتى ماأن انتهت مدته وجب عليهم أن يقدموا استقالاتهم فورا، إذ هم يخضعون له خضوعا مباشرة، وهو الذي يقوم برسم السياسة ويستمد باقي الوزراء منه سلطتهم واختصاصاتهم، إذ لايوجد لهم سياسة خاصة بل ينفذون سياسة الرئيس وله أن يجبرهم على ذلك.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752

 



كيف تحكم أمريكا (7)
في ولاية (جفرسون) وهو ثالث رئيس للولايات المتحدة وهو من الحزب الجمهوري قد تم شراء ولاية (لويزيانا) ذلك بعد أن استولى عليها الفرنسيون والتي كانت خاضعة لأسبانيا الأمر الذي أحدث الرعب في قلوب الأمريكيين من أن تستولي فرنسا على مناطق أخرى في الغرب وقرر الرئيس حينئذ أن يأخذ هذه المنطقة ولو أدى الأمر إلى دخول حرب، إلا أنه لما أصبح الأمر لنابليون وكان في أشد الحاجة إلى المال لدخوله الحرب مع بريطانيا إذ لم يجد الوفد الأمريكي في أن يشتري تلك المنطقة لقاء خمسة عشر مليونا من الدولارات وبهذا أصبحت (لويزيانا) ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عهد (مونرو) الرئيس الخامس للولايات المتحدة قد تم شراء (فلوريدا) حيث كانت تحت الحكم الاسباني بموجب معاهدة سنة 1819 وذلك مقابل تعويض مالي مقداره خمسة ملايين دولار.
وعقب انتهاء حرب الاستقلال وبصورة خاصة منذ مطلع القرن التاسع عشر كان تيار الهجرة إلى الغرب إلى ماوراء جبال (ابلاش واليفاني) يقوى بصورة مستمرة، خاصة وأن أراضي الغرب كلها اعتبرت بعد الاستقلال ملكا للاتحاد وألغيت جميع الحقوق السابقة عليها ثم إن قرار سنة 1787 قد شجع الهجرة إلى هذه الأراضي بالسماح للمهاجرين إليها بأن يشكلوا حكومات ذاتية تدير شئونهم إلى أن يبلغ تعداد السكان في كل منطقة ستين ألف مواطن، عندها يدخلون الاتحاد على قدم المساواة مع سكان المناطق الشرقية، ولم يلبث هذا القانون أن أعطى ثماره فانضمت سنة 1792 ولاية (كنتاكي) للاتحاد ولم تلبث أن تبعتها ولاية (تنسي) سنة 1796 و(أهايو) سنة 1803 ثم دخلت الاتحاد بين سنتي 1816 و 1821 ست ولايات هي: (إنديانا، مسيسبي، ألينوي، ألباما، مي، وميسوري)، وانضمت ولاية (أركنساس) في عهد الرئيس (جاكسون) سنة 1836 وولاية (متشجن) وفي 4 تموز يوليو سنة 1845 انضمت ولاية (تكساس) للولايات المتحدة، وفي شباط فبراير 1848 أعطيت الولايات المتحدة الأمريكية (كاليفورنيا ونيومكسيكو) من المكسيك مقابل خمسة عشر مليون دولار، وهكذا صار للولايات المتحدة أراضي تقدر مساحتها بثمانية ملايين من الكيلومترات المربعة مع شواطئ واسعة على المحيط الأطلسي مما فتح أمام الولايات المتحدة آفاقا لاحد لها في التوسع.
وبعد مفاوضات طويلة بين الحكومتين الأمريكية والبريطانية تم التوصل في 15 حزيران يونية 1846 إلى معاهدة بين الفريقين تنازلت بموجبها بريطانيا عن كل أراضي (أوريغون) الواقعة جنوب خط العرض 49 شمالا وتم ذلك في عهد الرئيس (بولك) وتم شراء ولاية (آلاسكا) من قيصر روسيا مقابل مبلغ سبعة ملايين ومائة ألف دولار، وذلك في ابريل 1867 في عهد (اندرو جونسو) الرئيس السابع عشر، وفي سنة 1898 ضمت الولايات المتحدة رسميا (جزر هاواي) في عهد الرئيس (وليم مكنلي) الرئيس الخامس والعشرون.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حماد
فاكس 8266752

 

كيف تحكم أمريكا (8)
في النظم الوضعية الحديثة كما أسلفنا هناك سلطات ثلاث، سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وسلطة قضائية، وقد أوضحنا ذلك بالنسبة للولايات المتحدة في مقال سابق، والكونغرس بالنسبة للولايات هو بمثابة السلطة التشريعية التي تتمثل في تمرير أو إقرار القوانين على يد كيانات أو هيئات مخصصة لكي تقوم بوضع القواعد للجميع، وهذه العملية لاتنتج القواعد الضرورية لصيانة تماسك الجماعة فحسب، بل تقدم أيضا وسيلة ما لاتخاذ قرار جماعي عند تقرير أي سياسة أو أي خطة، وذلك يكفل في الأمم الديمقراطية من الناحية النظرية على الأقل صوتا للشعب في حكم الدولة.
ومن الجلي أن من صاغوا الدستور أرادوا للكونجرس أن يكون مركز النظام السياسي في الولايات المتحدة، وأن يكون الفرع الذي له الصدارة بين فروع الحكومة، وفي غضون القرن العشرين خسر الكونغرس الكثير من سلطته لرئيس الجمهورية وليس هذا ظاهرا فقط في الحكومة الفدرالية وإنما أيضا ظهرت في حكومات الولايات المختلفة.
وليس معنى هذا أن الكونغرس جماعة من البصمجية، فالكونغرس مهمته أن ينظر السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية، وقد يقرها أو يرفضها أو ينقيها وهو حر تماما في اقتراح سياسات من جانبه.
وفي سنة 1974 أقر الكونجرس برنامجا إصلاحيا المقصود منه إيجاد إجراءات تسمح للفرع التشريعي بدور أكثر فاعلية في وضع سياسة الموازنة المالية (الميزانية) فأنشأ الكونجرس مكتبا جديدا سمي (مكتب الموازنة التابع للكونغرس) يرأسه شخص يعينه الكونغرس وله هيئة موظفين محترفين، كما أنشأ في كل  من المجلسين لجنة موازنة جديدة، وصار هذا البرنامج تام الفعالية بحلول سنة 1976 وتحدد به جدول مواعيد القرارات الموازنة كما أوجب أن تكون كل الأمور المتعلقة بالموازنة بما في ذلك الضرائب والإنفاق والإعتمادات والعجز والفائض خاضعة للتنسيق عن طريق اللجنتين الجديدتين (لكل من مجلس النواب والشيوخ لجنته).
وتزايدت أزمة التجميد في عهد إدارة نيكسون مما أدى إلى تأكيد رقابة الكونجرس على الموازنة، ويجب الآن على الرئيس أن يخطر الكونغرس بنيته سواء في تأجيل صرف الإعتمادات أو تجميدها ويستطيع أي من المجلسين رفض التأجيل بمجرد إصدار قرار بذلك، أما في حالة اقتراح التجميد فلابد من موافقة كل من المجلسين على هذا الاقتراح في مدى خمسة أيام من إخطارهما بتوجه الرئيس إلى ذلك، وإلا كان اقتراحه هذا مرفوضا.
ولم تقلل الإصلاحات بخطة هيمنة الرئيس ولكنها قوت دور الكونجرس في الأمور البالغة الأهمية في صياغة الموازنة والرقابة عليها.
وبموجب الدستور يشارك الكونغرس في إقرار المعاهدات وهذه الوظيفة بالذات مخصصة لمجلس الشيوخ الذي يجب أن يوافق على أي معاهدة بأغلبية ثلثي الأصوات، ويقوم الرئيس الذي يتفاوض ثم يقدم المعاهدات إلى مجلس الشيوخ ويملك الكونغرس سلطة اقتراح التعديلات الدستورية بأغلبية ثلثي الأصوات لكل من المجلسين وللكونغرس الحق في الإشراف على أعمال السلطة التنفيذية، ومن أهم أدواته (ديوان المحاسبة العام) الذي يرأسه مراقب عام الحسابات، وديوان المحاسبة العام يرفع تقريره إلى الكونغرس لا إلى الرئيس وله السلطة الكاملة في إجراء الاستقصاءات حول استخدام أي مبالغ مالية أو تطبيق وإدارة أي برنامج ويجب أن يقوم الكونجرس برصد كل ماتنفقه الحكومة من أموال، فإذا لم يكن راضيا عن أي برنامج معين، فإنه ينقص أو يلغي تماما الاعتماد الذي له.
ومن حق عضو الكونغرس الفرد إن شاء أن يسمع شكاوى المواطنين ويحققها. وثمة وظيفة أخرى ذات أهمية حيوية للكونجرس والهيئات التشريعية في الولايات المتفرقة وهي قادة الاستقصاءات والمناظرات أو المناقشات العلنية وغير ذلك من وسائل إعلام الجمهور بالحقائق.
وفي النظام السياسي الأمريكي تتولى المحاكم عقاب الأخطاء، إلا أن الهيئة التشريعية قد تشارك في هذه العملية عندما يكون المرتكبون موظفون عموميون وعندئذ ينعقد مجلس الشيوخ على صورة محكمة ويحاكم المتهم، ولا بد لإدانته من أغلبية ثلثي الأعضاء ويترتب على إدانته عزله من منصبه، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي بها يعزل الكونجرس الموظفين من الفرع التنفيذي، والفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور تقضي بأن يقدم مجلس الشيوخ (نصحه وموافقته) قبل أن يعين الرئيس كبار موظفي الحكومة.
ونظام اللجان عامل لايمكن المبالغة في أهميته بين عوامل التنظيم الخاصة بالكونغرس، فهذه وإن لم يرد ذكرها في الدستور قد تطورت بحيث غدت أساسية في طريقة أداء النظام السياسي لوظيفته، ذلك لأن الكونغرس لكي يحقق فاعلية أعظم في البت في ذلك العدد الهائل من مشروعات القوانين استن نظام اللجان لتقسيم العمل بينها وإتاحة درجة معينة من التخصيص، وهناك أربعة أنواع من اللجان: لجان مختارة، ولجان مشتركة، ولجان على شكل مؤتمر، ولجان دائمة.
واللجان المختارة هي التي تؤلف لغرض معين، ولفترة محدودة من الزمن، ومتى أتمت مهمتها حلت وإن بدا أنها ذات قيمة مستمرة ففي الوسع تحويلها إلى لجان دائمة، واللجان المشتركة لايتوسع الكونغرس في استخدامها وليست لها في العادة المكانة التي تتمتع بها اللجان الدائمة في كل من المجلسين على حده.

 

كيف تحكم أمريكا (9)
الرأي القائل بأن مايجري في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ هو المنافسة المفتوحة والتصرف العلني الكامل في قاعة المجلس بكامل هيئته، وهذا ماتعكسه صفحات (سجل الكونجرس) هذا الرأي مجرد وهم، إذ الواقع أن معظم عمل الكونغرس يجري في اللجان.

السلطة التنفيذية:
نجد أن السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة حسب الدستور قد فوضها الكونغرس وتنازل لها عن بعض صلاحياته ولم يستطع الكونغرس حتى الآن باسترجاع بعض هذه السلطات.
إن الرئيس في الولايات المتحدة حسب الدستور لايكون مجرد أداة لتنفيذ إرادة السلطة التشريعية ولا يكون أيضا أداة مباشرة للشعب.
فالهيئات التشريعية للولايات المتفرقة تختار عددا من ناخبي الرئيس على قدر عدد أعضاء الكونغرس الممثلين لهذه الولاية، وهذه (الهيئة الانتخابية) تقوم باختيار أفضل رجلين من بين المواطنين يمثلان الرئيس ونائبه، ومع أن (الهيئة الانتخابية) كانت منذ البداية هدفا للنقد إلا أنها لم تزل هي الطريقة المتبعة لانتخاب الرئيس وعملها من أحد الوجود شكلي لأنه مجرد التصديق على الانتخاب الشعبي، وكانت نتيجة هذا المبدأ الذي يقضي بأن يظفر الفائز بكل الأصوات أنه صار تحويلا للتصويت الشعبي الذي يكاد يكون متقارب الكفتين إلى نصر ساحق من صنع (الهيئة الانتخابية) الأمر الذي يخول لذلك الفائز تفويضا قويا، وفي بعض الأحيان لم تنجح هذه الوسيلة لأن تقسيم وتوزيع التصويت الشعبي في أنحاء الولايات يمكن أن يحول الانتصار على المستوى الشعبي إلى هزيمة على يد الهيئة الانتخابية.
وهناك وصايا أخرى للمؤتمر الدستوري استمر العمل بها والمؤتمر هو الذي أنشأ أساس السلطة التنفيذية الحديثة فالرئاسة لابد أن تكون منصبا واحدا، أما نائب الرئيس فليست له سلطة أساسية خاصة به، وقرر المؤتمر كذلك أن السلطة التنفيذية مستقلة عن الكونجرس، ودائرتها الدستورية قومية، وصوتها ينبغي أن يسمع عن طريق (الهيئة إلانتخابية) القائمة على أساس الولايات، والسلطة مخولة للرئيس في الشئون العسكرية والخارجية، وهي سلطات ضمنية بصورة أشد غموضا فيما يتعلق بالشئون الداخلية.
فمنصب حاكم الولاية ينسبه إلى حد كبير منصب الرئاسة في المحيط الداخلي، والبيروقراطيات في الولايات تشارك الولايات الإدارية بواشنطن في نواحي قوتها وضعفها وحكام الولايات مقيدون بقيود دستورية أشد من قيود الرؤساء، بل إنهم في بعض الولايات خاضعون وتابعون بوضوح للسلطة التشريعية بها، وسلطتهم يشاركهم فيها في معظم الأحيان موظفون تنفيذيون آخرون منتخبون مثل نائب الحاكم والنائب العام، ومدير الخزانة، ومراجع الحسابات العامة، وسكرتير الولاية، وليس للحاكم إشراف عليهم إلا في القليل جدا من الأحوال، وكثيرا مايصل الأمر إلى أن يختار الناخبون هيئة وزارية من بين أعضاء الحزبين معا، يضاف إلى هذا أن الوظائف الكبرى المعهود بها إلى حاكم الولاية قد تكون تحت إشراف مجالس أو هيئات مستقلة، ولا تخضع هذه الهيئات أو المجالس لسلطة الحاكم إلا من حيث أنه قد يعين جانب من أعضائها لمدة واحدة فقط.
ومعظم حكام الولايات لديهم مصدر قوة غير متاح للرئيس وهو بند (الفيتو) الذي يسمح لحاكم الولاية بالاعتراض على أجزاء من مشروع قانون، كما أن له الحق في الاعتراض على المشروع كله.
يمكن تقسيم السلطة التنفيذية الفيدرالية قسمين: أولهما الزعيم المنتخب ومرؤوسون السياسيين، وهم حوالي ألفين من المعينين، تحت الهيمنة المباشرة للرئيس ويشكلون معه القمة السياسية للفرع التنفيذي، وثانيهما البيروقراطيات التي تخضع حاليا للإيجار بموجب لوائح الخدمة المدنية على أساس الجدارة غالبا لا على أساس الولاء (المحسوبية).
والرئيس هو المسئول الذي يرعى أساسا عمل الدستور وسلطاته ومسئولياته محدودة في المادة الثانية منه، حيث تنص بصراحة على أن (السلطة التنفيذية تخول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وأما نائب الرئيس فهو أساسا صمام أمان تحسبا لحالات فراغ منصب الرئيس، وليس لمنصب نائب الرئيس إلا سلطة واحدة في حد ذاتها وهي رئاسة مجلس الشيوخ، وهي الإدلاء بصوته لترجيح الاقتراع في حالة تعادل الأصوات.
وللرئيس سلطة واسعة في الشئون الداخلية، ومنها تعيين وعزل كبار صناع السياسة، وهو رأس الفرع التنفيذي وهو كبير الإداريين وهو منفذ القوانين وهو مسئول عن إعداد الموازنة وهو مسئول عن تجميد وتحويل الاعتمادات وهو المسئول عن المبادرة في التشريع وله حق الفيتو وله الحق في دعوة الكونغرس لدورات خاصة ويفضه إذا اختلف المجلسان على تاريخ الفض، وهو الأمر التنفيذي والامتياز التنفيذي وأخيرا رأس الدولة والزعيم الرمزي للأمة.
والرئيس بوصفه منفذ القوانين حر في الواقع في تحديد مدى الاهتمام الذي يخص به المجالات المختلفة، وإذا كان واثقا من تأييد الجمهور فقد يصل به الأمر إلى الرفض الصريح لتنفيذ سياسة وافق عليها الكونغرس.

 

كيف تحكم أمريكا (10)
نجد أن سلطة الرئيس في الولايات المتحدة واسعة ولا يمكن للكونغرس أن يضغط عليه إلا عن طريق عدم منحه الأموال اللازمة لمشاريع يريد تنفيذها، وعلى وجه العموم فإنه ليس للكونغرس السلطة على الرئيس إلا في حالات نادرة جدا مثل حالة الرئيس نيكسون الذي أجبر على الاستقالة في فضيحة ووترجيت ولكن يمكن للشعب رفض إعادة انتخاب الرئيس أو القيام بضغط كاف يدفعه للاستقالة، أما فيما عدا هذا فالعلاج الوحيد هو قانون الرئيس الخلقي ومدى حساسيته التاريخية.
وقد أنشأ الكونجرس سلطات الرئيس بشأن الموازنة في سنة 1921 ووسعها في سنة 1939 بأن جعل وكالة الموازنة في الديوان التنفيذي حيث يسهل على الرئيس الهيمنة عليها، أما قبل ذلك فكانت المصالح التنفيذية (الوزارات) ترفع طلباتها إلى الكونغرس فرادى، وللكونغرس أن يحدد الأولويات.
وفي النظام الحالي يهيمن الرئيس بمعاونة وكالة الموازنة (التي سميت الآن ديوان الإدارة والموازنة) على تحديد الأولويات والمصالح المختلفة تقدم طلباتها إلى هذا الديوان الذي له أن يعيد تشكيلها كما يشاء.
وديوان الإدارة والموازنة أكبر بكثير ورئيسه يخضع لموافقة مجلس الشيوخ في أمر تعيينه منذ سنة 1974 وسلطاته في الإدارة واسعة وتسند إليه دورا كبيرا في صنع السياسة.
وسلطة الرئيس في شئون الموازنة جزء من دوره في الأمور التشريعية، وهناك دور ثان للرئيس قائم على أساس سلطته في اقتراح التشريعات على الكونغرس فعن طريق (رسالة الاتحاد) التي يضع فيها الخطط العامة لبرامج إدارته واقتراحه الدوري للتشريع الذي يرى أنه (ضروري وملائم) على حد تعبير الدستور صار الرئيس والفرع التنفيذي مصدر معظم التشريع القومي، والمرجح أن ثلثي التشريعات تبدأ اليوم من الفرع التنفيذي، فإذا فند الكونجرس مقترحات البيت الأبيض أو أقر تشريعا غير مقبول لدى الرئيس فله أن يستخدم الفيتو في مدى عشرة أيام، وللكونغرس عندئذ أن يعيد تمرير أو إقرار مشروع القانون متغلبا في الفيتو، وقد يفرض على الرئيس تشريعا لايحبه بربطه بموضوع يحرص جدا عليه.
ولما زادت قوة الولايات المتحدة المسلحة في القرن التاسع عشر زادت سلطة الرئيس، ولما اضطلعت الولايات المتحدة بدور هام بل ومهيمن لفترة ما في الشئون العالمية صار الرئيس طبقا لذلك زعيما عالميا، وكذلك تكنولوجيا الأسلحة في القرن العشرين تحت تأثير الحرب الباردة وما انتهت إليه مقتضيات العصر النووي منحت الرئيس سلطة هائلة، كان لا مفر منها من انعكاسها على زيادة القوة الداخلية، وممارسة السلطات الخارجية توازي ممارسة الكثير من السلطات الداخلية، فالرئيس يقوم بالمبادرة والكونغرس يقوم برد الفعل.
ودور الرئيس في الشئون الخارجية إجمالا عقد المعاهدات وتعيين السفراء وغيرهم والاعتراف بالأمم الأخرى واستقبال السفراء والقائد الأعلى للجيوش الأمريكية والمبادرة بالحرب والاتفاق التنفيذي.
والدستور ينص على كوابح لسلطات الرئيس في عقد المعاهدات ولسلطاته كقائد أعلى، فالكونجرس وحده هو الذي يعلن الحرب، والمفروض أنه لاحاجة به إلى انتظار أن يطلب إليه الرئيس ذلك، والكونغرس وحده يملك أن يحشد جيشا ويجهزه ويحدد الدستور الاعتمادات المخصصة لهذا الغرض بمدة سنتين، والمعاهدات يجب أن تعرض على مجلس الشيوخ، ويصدق عليها بموافقة ثلثي عدد أصوات المشتركين في التصويت قبل أن تصبح مقيدة وملزمة للولايات المتحدة.
وكان ذلك مجديا لبعض الأمم التي كانت تعد توقيع مجلس النواب الأمريكي ارتباطا لايمكن أن تمحوه معارضة مجلس الشيوخ، وبالنسبة للنظام السياسي فالبيروقراطيات هي المؤسسات التي تطبق السياسة العامة، والبيروقراطيون الذين يعملون فيها هم منفذوا وممثلوا السياسة العامة، والبيروقراطيات الفدرالية ومثيلاتها في الولايات والمحليات أشبه ببيروقراطيات الدول الأخرى أكثر من وجود مثل هذا التشابه في الجوانب الأخرى من نظامنا السياسي ونظائرها الأجنبية، فالبيروقراطيات الفدرالية في تصرفاتها الإدارية اليومية تقوم بوظائف شبه تشريعية وشبه قضائية كما تقوم بالوظائف التنفيذية ومنذ بداية عهد (البرنامج الجديد) عندما بدأ جمعها وتكلفتها يتصاعدان صارت البيروقراطيات من أقوى مجموعات الأمة ذات المصالح، وبدورها وجدت مجموعات كثيرة من ذوات المصالح الكبرى مسكنا لها في زوايا البيروقراطية.
وبعض السمات العامة للبيروقراطيات هي قاعدة مكتوبة كثيرة التفاصيل للإجراءات وسلسلة صارمة من الأوامر أو البنية المتدرجة السلطات.
ففي الولايات المتحدة يجب أن تتوافق بيروقراطيات الحكومة القومية مع أكثر رؤسائها الرسميين فهي لاترفع تقاريرها إلى المشرفين عليها، وعن طريقهم إلى الرئيس فحسب، بل إن كبار البيروقراطيين مسئولون أمام الكونغرس عن أداء وكالاتهم، وقد يستدعون للشهادة عن ذلك رسميا، وفضلا عن هذا وجدوا من الضروري بصورة متزايدة أن يكونوا على صلة بأعضاء هيئة موظفي الكونجرس المختصين الذين كثيرا مايصارع نفوذهم على الوكالات التنفيذية نفوذ أعضاء الكونغرس أو يزيد.
وثمة مميز آخر ناشئ عن الفيدرالية فمعظم البرامج الداخلية الفدرالية مشتركة بين الاتحاد الفدرالي وبين الولايات، وتديرها إلى حد كبير وكالات الولاية مستخدمة الأموال الفدرالية وعاملة في حدود التعليمات الفدرالية.
فرجال الدخل الداخلي وموظفو البريد ومفتشو الحافلات وموظفو الضمان والخدمة الاجتماعية وموظفو التحكم في التلوث ودوريات الطرق السريعة كل أولئك جزء من السلطة التنفيذية مكلفون بتطبيق القوانين وتنفيذ سياسات الحكومة.

ليست هناك تعليقات:

تابعني علي التويتر