الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة 29
تكلمنا في الحلقة الماضية عن حكم الشورى في الإسلام , وسوف نتكلم في هذه الحلقة عن الوظيفة العامة في الدولة وكيف تم استخدامها داخل المجتمعات العربية والإسلامية ذلك لأنه من الطبيعي أنه حينما يوجد تجمع بشري منظم تظهر الحاجة إلى وجود الوظيفة العامة ,وبالتالي إلى ضرورة من يشغل هذه الوظيفة ، وكما هو معروف أن القبيلة هي أقدم تجمع بشري , ومنذ أن وجدت كان لها رئيس يدير شؤونها , ويعاونه في أداء مهمة نوابه ووكلاؤه ,هذا بالإضافة إلى وجود النظم التي كانت تحكم أفراد القبيلة في تصرفاتهم وسلوكهم لصالح القبيلة التي كانت تتمثل في إرادة حاكمها ورئيسها وما يتخذه في هذا الشأن عندما يجتمع مجلس القبيلة ويصدر هذه النظم , وكان يلزم الرئيس لتنفيذ هذه النظم وتطبيقها أفرادا يعاونون حاكم القبيلة ومن هنا نشأت الضرورة إلى نشأة الموظف العام , وظهرت الصورة البدائية الأولى للوظيفة العامة , وكلما تطور المجتمع البشري و انتقل إلى مرحلة أخرى تجعله أكثر تنظيما وأكثر عددا ونموا , كانت تلازمه حركة التطور في الوظيفة العامة ,ذلك لأن الموظف العام هو الإرادة التي تقوم بتنفيذ وتطبيق القوانين والنظم علي الأفراد.
أهمية الموظف العام :
إن للموظف العام في الدولة أهمية قصوى ,ذلك هو الذي دفع جميع دول العالم بالاهتمام بالموظف العام وتعليمه وتدريبه , واختيار أحسن الطرق العلمية لتكوينهم , حتى أصبح يقاس مدى رقي الدولة وتحضرها , ومدى تخلفها وانحطاطها بمدى مستوى موظفيها العلمي والخلقي , ذلك لأن الموظف العام هو الذي يمثل الدولة و يتصرف باسمها . وهو المؤتمن على حقوق الأفراد وتحقيق مصالحهم وحماية أمنهم وحرياتهم , وبما يُسند إليه حسب مركزه من سلطات واختصاصات . هذا قد استخدمت مسميات عدة للموظف العام تختلف من بلد لآخر .إذ نجدهم في انجلترا يستعملون عبارة ( خادم الملك ) أو ( التاج ) , أو ( العامل المدني ) , وفي سويسرا يستعملون تعبير ( الموظفين الدائمين ), وفي أمريكا تعبير ( المستخدمين العموميين ) وفي بعض الأحايين تعبير ( الإجراء العموميين ) .
الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للوظيفة العامة :
نجد أن الوظيفة العامة قد تأثرت بعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية , إذ انعكست جميعها على الوظيفة العامة , ذلك لأن كل مجتمع يختلف عن المجتمع ألآخر , فالمجتمع الإسلامي يختلف عن المجتمع الرأسمالي , وكذلك يختلف عن كل من المجتمعين السابقين عن المجتمع الاشتراكي , ونجد أن المجتمع الذي تسود فيه النظم الديكتاتورية يختلف عن المجتمعات السالفة , وعن المجتمع الذي تسود فيه النظم الديمقراطية .
من هنا نرى أن الوظيفة العامة تعددت واختلفت حسب المجتمعات والاقتصادية والسياسية الموجودة بكل منها .
ما هي وظيفة الدولة في المجتمع :
سبق وأن تكلمنا عن وظيفة الدولة الإسلامية في المجتمع وهي لا تختلف عن أي دولة في الوقت الحاضر , ذلك لأن الدولة تهتم عادة بالمرافق العامة , أي مرافق الأمن الداخلي والخارجي وبمرفق العدالة والتعليم والصحة ... إلخ .
تطور وظيفة الدولة الحديثة وأثره علي الوظيفة العامة :
لقد لعب التطور الحضاري دورا كبيرا في تأثيره على الوظيفة العامة للدولة , لذا نجد ازياد اهتمام العلماء والمفكرين بشؤون الوظيفة العامة نظرا لأهميتها المتزايدة , إذ أن ظاهرة كثرة عدد الموظفين أصبحت ظاهرة طبيعية وملحوظة , وهذه الزيادة عادة ما يترتب عليها زيادة كبيرة في ميزانية الدولة , الأمر الذي يتطلب دائما عمل دراسة طلبات الموظفين وحاجاتهم مع زيادتهم وكثرتهم , وبين الميزانية العامة للدولة والخدمات التي تؤديها وتتوسع فيها بالنسبة لمجموع أفراد الشعب , ذلك لأن الدولة عادة ما ترتكز إلى تطوير الخدمات من أجل رفاهية الشعب. من هنا أتى الاهتمام بدراسة الوظيفة العامة , إذ أصبحت الشغل الشاغل لأذهان المفكرين ورجال الاجتماع والقانون و الاقتصاد في جميع أنحاء العالم , وذلك لكثرة الاعتبارات التي تحيط بموضوع الوظيفة العامة .
1- أن كثيرا من دول العالم تعاني من كثرة الموظفين , وبالتالي النفقات العامة على الدولة , إذ نجد أن الموظفين يستهلكون جانبا كبيرا من ميزانية الدولة , لذا نجد أن كثيرا من الدول تسعى الآن إلى الحد من التضخم الوظيفي , وذلك من أجل الحد من تكاليف الوظيفة العامة قدر الاستطاعة , وعدم التأثير على مدى الخدمات العامة التي تحرص الدولة على تطويرها.
2- أن التوسع الكبير في تقديم الخدمات العامة في الدولة الحديثة أدى إلى تعدد هذه الخدمات وتنوعها , الأمر الذي جعل الأنظمة التي تحكم هؤلاء الموظفين هي الأخرى تتعدد , إذ أنه لا يمكن أن يخضع كل هؤلاء الموظفين مع تنوعهم إلى تشريع واحد مما أدى إلي تعقيد الأنظمة واحتوائها على مواد كثيرة حتى يمكن أن تغطي مختلف التخصصات , الأمر الذي يتطلب مجهودات كبيرة ومستمرة , تكون هذه الأنظمة متناسقة مع بعضها البعض , من غير اختلاف أو تقارب . إذ كانت الوظيفة العامة فيما مضى تتصف عادة بطابع السلطة والمظهر , ذلك لأن الذين كانوا يشغلونها هم من طبقات معينة من ذوي الثراء والغنى , أو من الأسر الحاكمة , إلا أن هذه النظرة قد تغيرت في الوقت الحاضر إذ أصبحت الوظيفة تتصف بطابع الخدمة العامة ,ذلك لأنها أضحت رسالة يقوم بها جميع المواطنين على قدم المساواة و أضحى حق الموظف من الحقوق العامة التي تنص عليها جميع الدساتير.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة انشاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق