الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة 30
تكلمنا في الحلقة الماضية عند الوظيفة العامة في الدولة وسوف نتكلم في هذه الحلقة عن الوظيفة العامة والبيروقراطية إذ نجد أن هناك مشاكل عديدة في الخدمة المدنية , منها مشاكل تصنيف وترتيب الوظائف وطرق الاختيار والتدريب وغيرها , إلا أن المشكلة العامة والمعقدة والموجودة بصورة أو بأخرى في مختلف النظم الإدارية قديمها وحديثها هي البيروقراطية , وهذه هي مشكلة الإدارة العامة في الدولة , وقد كثر الحديث في هذا الموضوع إذ تناوله علماء الإدارة بالأطناب والتحليل والشرح والتعليل , وذلك لقدم المشكلة وتضخمها يوما بعد يوم , حتى أضحي حلها حسب ما يراه علماء الإدارة صعب المنال , ذلك لأن أجهزة الدولة آخذة في التضخم يوما بعد يوم نتيجة لاتساع وتعدد أهداف الدولة لتقديم خدمات أفضل لمواطنيها . وإذا كنا نعيش اليوم عصر الثورة الإدارية فإننا نعيش في نفس الوقت عصر التعقيد الإداري نتيجة للتضخم المستمر في أجهزة الدولة .
معنى البيروقراطية :
وهي تعني حكم المكاتب , إذ إنها مركبة من كلمتين (( بيرو )) أي مكتب , و ( قراط ) أي حكم , ونجد أن الكلمتين معا يكونان البيرو- قراطية , ويقصد بها سلطة المكتب أو حكومة المكتب أو تركيز السلطة في المكاتب الإدارية .
هذا ونجد أن كلمة (بيروقراطية ) تطلق على اصطلاحات متعددة , منها الإدارة الحكومية , كما تستعمل للدلالة على المنظمات الكبيرة بشكل خاص , سواء كانت هذه المنظمات تابعة للقطاع العام أو الخاص , كما توجد عدة معان للبيروقراطية وتتلخص في التالي :
1- تعني البيروقراطية أيضا : ذلك الجهاز الإداري وما يحتويه من كثرة وتضخم .
2- يطلق لفظ البيروقراطية على كثرة الإجراءات التي تتصف بها الأعمال الحكومية , وكذلك العمل الإداري داخل المكاتب بصفة عامة .
3- أن النفوذ و السلطة والسيطرة التي يمارسها الموظف العام من خلال التنظيم في الدولة يطلق عليه أيضا بيروقراطية .
4- نجد أن الدور الممارس من قبل الموظفين العموميين في إطار النظام السياسي في الدولة يطلق عليه أيضا بيروقراطية .
5- كما أن التكوين الإداري في الدولة باعتباره تكوينا حكوميا سياسيا يمكن وصفه بالبيروقراطية .
أما المعنى الشائع للبيروقراطية فهو ذلك المعنى الذي يعني الصورة السيئة للروتين والإداري والجمود والتعقيد , وما يشمل ذلك من وجود إجراءات طويلة يتبعها طالب الخدمة من أفراد الشعب , كذلك ما نجده من فوضى وعدم انضباط وسوء تنظيم في الجهاز الإداري الذي تلعب فيه أجهزة الخدمة المدنية .
والسؤال الذي يفرض نفسه : ما هو سبب هذه البيروقراطية ؟ هل هو عدم وجود الكفاءات الإدارية المطلوبة ؟ أم هو كثرة عدد الموظفين ؟ أم هو الضعف العلمي لموظفي الخدمة المدنية ؟ أم أنه هو تعيين الموظفين في تخصصات غير تخصصاتهم الدراسية الأمر الذي يجعلهم غير قادرين علي العمل حسب ما ينبغي؟ أم هو عدم الثقة في الموظف من قبل السلطة السياسية أو الإدارية ؟
ومن البديهي أنه لا يوجد سببا واحدا مكونا لوجود البيروقراطية , بل هي عادة ما تتكون من أسباب عديدة.
الوظيفة العامة والتكنوقراطية :
ونظرا لما يقدمه الجميع من انتقادات للبيروقراطية , فإن معظم فقهاء الإدارة ينادون بالاتجاه نحو التكنوقراطية , وذلك لعلاج مشاكل الوظيفة العامة , ذلك لأن الكثير يقول : بأن نظام الحكم في الدولة لا تمارسه بطريقة فعلية السلطة السياسية , وإنما المكاتب عادة هي التي تمارس الحكم عن طريق اتصالها المباشر بالمواطنين الذين يشعرون ما إذا كانت الحكومة تمارس نظاما صالحا أو خلاف ذلك . وهذا ناتج من تعاملهم مع موظفي المكاتب الذين ينفذون ويطبقون القوانين واللوائح الإدارية . وقد وردت كلمة ( تكنوقراطية ) كدواء لعلاج البيروقراطية .
بقى علينا أن نفهم ما معنى كلمة ( تكنوقراطية ) : أن كلمة تكنوقراطية لها معنيين مختلفين :
المعنى الأول : تعني حكومة الكفاءات أو أصل الخبرة , أو النظام السياسي الذي يستند إلى الفنيين وحدهم بمقاليد السلطة من الناحية العملية , ويقصد بالفنيين هنا الأفراد المؤهلين بطريقة علمية وفنية والذين تمرسوا في العمل بطريقة علمية , أي أنهم طبقوا العلم مع العمل كل في مجال تخصصه , ولا يقصد بالفني هنا المهندس فقط , بينما يقصد به كل خريجي الجامعات على أن يعمل كل في مجال تخصصه , أي أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
المعنى الثاني : وهنا نجدها تعني أسلوب ممارسة السلطة ,إذ تعتبر في هذا المعنى أسلوبا من أساليب الحكم يقوم على اعتبارات موضوعية أو على حسابات علمية , وهي بهذا تستبعد كل ما هو غير موضوعي أو مالا يمكن قياسه كالعواطف والقيم المعنوية والتقاليد والمذاهب وغير ذلك , وعندما نصف موظفا كبيرا بأنه تكنوقراطي فإنما نعني بأنه يمارس سلطته على أساس من الدراسات النظرية المتعمقة دون النظر إلى العوامل الإنسانية أو الاهتمام بها , ويرجع نمو فكرة التكنوقراطية إلى التقدم التكنولوجي الذي يتميز به هذا العصر .
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ان شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق