الأحد، 24 يونيو 2012

الربيع العربي قادم وإلي الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة 32



الربيع العربي قادم وإلي الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة 32 


تعرفنا في الحلقة الماضية  أن من أهم وظائف الدولة هو حفظ أمور الدين والدنيا ورأينا كيف كان في تونس  وفي ليبيا وفي مصر وفي سوريا يحارب الدين محاربة عظيمة , أضرب لذلك مثلا أن المملكة العربية السعودية تحاول جاهدة نشر الجامعات الإسلامية في بلادنا وفي الخارج وكذلك المعاهد الإسلامية في بلادنا وفي الخارج في حين أن دولة كتونس قضت علي التعليم الإسلامي في دولة تونس وذلك بقضائها على جامع الزيتونة الذي كان يعتبر منارا لنشر التعليم الإسلامي وفيما يلي أذكر نبذة عن تاريخ جامع الزيتونة لقد تضاربت الأقوال في تحديد الشخص الذي بنى جامع الزيتونة في أيامه , إذ يذكر  البعض بأن حسان بن النعمان هو الذي أمر ببناء الجامع حينما فتح أفريقيا , في حين أن مؤرخين آخرين قالوا  بأن الذي بني الجامع هو عبيد الله بن الحبحاب الذي كان واليا علي أفريقيا سنة 114هـ وعلي كل فإنه يبدو جليا أن جامع الزيتونة أول من بناه هو مساعد بن النعمان  الغساني حوالي 80 هـ , وكان بناؤه في غاية البساطة ثم أعاد بناءه عبيد الله بن الحبحاب في سنة 116هـ . ولقد شهد الجامع في أيام العباسيين  علي يد الأغالبة ولاة تونس في تلك الأيام إعادة بناء شاملة من أجل توسعته ليفي بحاجة الناس المتكاثرين , وكان ذلك في سنة 250هـ , ولا يزال هذا البناء قائما حتى الآن , ومن حسن الحظ أن جامع الزيتونة احتفظ بعمارته التي بدأت واستمرت قائمة منذ إنشائه قبل حوالي أحد عشر قرنا إلى أيامنا , مما أتاح لنا مرافقة نفائسه التي رقمت فيه ومنها تاريخ هذا الجامع وتاريخ تونس بالذات , كما أتاحت لنا دراسة هذه النفائس تطور الخط العربي من عصر إلي عصر , وهذا أمر ليس له مثيل من الشرق العربي , حيث قضت الزلازل والحرائق وعوادي الزمن  والفتن والحروب علي الآثار الإسلامية القديمة .


التاريخ العلمي لجامع الزيتونة :
 لقد تواصل التعليم في هذا الجامع ابتداء من أوائل القرن الثالث الهجري وبدون انقطاع أو توقف إلى أواخر القرن الرابع عشر الهجري , وكان جامع الزيتونة منذ ذلك العهد المركز العلمي الذي يدرس فيه الدين الإسلامي على اختلاف أصول وفروعه , وكذلك على الطب والهندسة والرياضيات , ونجد الحشائشي يصف لنا جامع الزيتونة حيث يقول : (( تعاظم العلم في دولة بني حفص , وتداول إعلام جلة كابن عصفور , والقاضي ابن عبد السلام , وابن هارون والآجمي , وابن الحبحاب , وابن عرفة , وابن خلدون , و البرزلي والعيريني , وابن ناجي وغيرهم ممن برزوا في كل موضوع , وظهرت علومهم في سائر الأقطار , كالشيخ محمد ماغوش  الذي وقع الإعجاب به في مصر وفي بلاد الروم وتركيا اليوم )). 


الباي يضع لجامع الزيتونة قانونا عصريا :
إن الباي المشير أحمد باشا صاحب المكتبة الأحمدية لم يكتف بتحبيس الكتب على جامع الزيتونة , بل إنه عمد إلي ترتيب قانون يلتزم به العاملون في هذا الجامع , سواء كانوا من العلماء أو الطلاب أو غيرهم من بقية أصحاب الوظائف الإدارية والدينية  فيه , ففي سنة 1258هـ أمر هذا الحاكم بتعين 15 عالما من الأحناف ومثل عددهم من الموالك  حيث يقوم كل واحد منهم بإعطاء درسين مما يطلب منه من العلوم , وخصص لكل واحد من هؤلاء العلماء راتب شهري قدره 60 ريالا , ولم يكتف المشير أحمد باشا بإصدار القوانين التي تؤمن لجامع الزيتونة أن يؤدي رسالته العلمية بواسطة الشيوخ الأكفاء والدراسة المنتظمة , بل إنه كان شخصيا يتعهد بتنفيذ هذه القوانين ومراقبة المكلفين بها ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى ويعاقب الذين يتقاعسون  عن أداء واجباتهم .
ولما أتت هذه المبادرات الإصلاحية التي قام بها المشير أحمد باشا أكلها , الأمر الذي أدى إلى بروز أسماء لامعة من العلماء المرموقين  صدر بضم أوقاف جديدة وقفها أهل الخير والفضل على الجامع الزيتوني , وحبست على التدريس فيه , وأضيف إلى جملة المدرسين السابقين اثنا عشر شيخا , ستة من الأحناف  ومثلهم من الموالك.
وبعد أيام المشير أحمد باشا أصابت جامع الزيتونة سنة من النوم تحت وطأة إهمال العلماء والمدرسين فيه , حتى أن كثير منهم لم يحضر الدرس أياما كثيرة  , ودام الحال كذلك حتى آل أمر تونس إلى الباي محمد الصادق باشا الذي أظهر اهتمامه بأمر الجامع ومسيرته العلمية , ففي سنة 1285هـ أصدر بلاغا يحث فيه على مواصلة التدريس وينذر المهملين بالعقوبات التأديبية , وحينما أعطت هذه التدابير ثمارها أعاد الباي محمد صادق باشا ترتيب الجامع وفق المعطيات الجديدة لتطوره  ونموه  , ففي سنة 1292هـ أصدر قانونا قضى بتأليف لجنة قامت بتنظيم التدريس بالجامع وتحديد المواد التي تدرس فيه , وكانت هذه المواد هي :  التفسير , والكلام , والقرآن , والمصطلح في الفقه الحنفي والمالكي والفرائض , والتصوف  , والميقات , والنحو والصرف , والمعاني  و البيان والبديع والسير , والتأريخ , والعروض والقوافي , والمنطق وأدب البحث , والحساب والهندسة والمساحة والهيئة .


الدراسة في الجامع لجهة الشيوخ والطلاب :
كان التدريس في جامع الزيتونة لا يخضع لقوانين معينة  , فكان كل من أنس في نفسه الكفاءة في التدريس يقوم بالتدريس في الجامع ثقة بنفسه واستجابة لحضور الطلاب في حلقته , ولقد استمر العمل التطوعي بالتدريس  في الجامع إلى أن صدرت قوانين أول من بدأها  المشير أحمد باشا محمد ثم الباي محمد صادق باشا ثم القانون الذي صدر سنة 1309هـ في أيام الباي علي باشا , وبموجب هذا القانون أصبح لا يمكن الحصول على وظيفة مدرس في الجامع إلا بعد اجتياز امتحان في الفقه الإسلامي , والآداب العربية , والعلوم  الرياضية ثم يعين المتفوق في الوظيفة .
وفي سنة 1316هـ أصدر الباي المذكور أمر بتأليف لجنة عليا  تنظر بالإصلاحات اللازمة للوضع التعليمي في الجامع , وقد قامت اللجنة بتعيين  طريقة الامتحان , وأن الناجح يتخرج حاملا شهادة أطلق عليها شهادة التطويع , وهي الشهادة النهائية . ويقول مفتي الديار التونسية السابق محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله : وابتداء هذا الترتيب في عام 1317هـ وكنت أول المشاركين فيه , وحصلت علي شهادة التطويع , وفي يوم 5 أكتوبر عام 1959م الموافق 1379هـ أصدر الحبيب بورقيبة بوصفه رئيسا للجمهورية قرارا بإلغاء التعليم الزيتوني الأمر الذي هال العلماء الزيتونيون شطب هذا التعليم من الحياة الثقافية للمجتمع التونسي , ورأوا في عمل الرئيس تنكرا للدين أقضى مضجع الشعب وأصبح وضع الدين في خطر , وباعد بين تونس وبين العروبة والعرب , فقدموا لرئيس الجمهورية التونسية لفتوا فيها نظره إلى ما ينجم من الأخطار عن إزالة التعليم الزيتوني الحافظ لأمر الدين الإسلامي , والذي يفقد الشعب التونسي شخصيته الإسلامية  , وهو مالا يتفق مع دستور البلاد .
وفي أول مارس سنة 1961م أصدرت الحكومة التونسية أمرا بإحداث كلية الشريعة وأصول الدين داخل الجامعة التونسية , وكان الشيخ محمد الفاضل بن عاشور أول عميد لها .
وهكذا انتهي الدور الجامعي لجامع الزيتونة , وانتهي بانتهائه التعليم الزيتوني  وبقيت أبواب الجامع مفتوحة لاستقبال المصلين فقط ليس غير . وبهذا فقد سجل التاريخ صفحات سوداء لتأريخ الرئيس الحبيب بورقيبة في تاريخ حكمه لتونس , والذي كان موقفه معروفا تجاه الإسلام والتعليم الإسلامي , إذ إنه جعل التعليم الزيتوني من ذكريات التاريخ , وأصبح في ذمة التاريخ .

ليست هناك تعليقات:

تابعني علي التويتر