الربيع العربي قادم وإلي الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالي الحلقة (33)
رأينا في الحلقة الماضية كيف وأن الرئيس الحبيب بورقيبة قضى على جامع الزيتونة كمهد لنشر العلوم الإسلامية على مستوى رفيع من الدراسات العليا , وكان الحبيب بورقيبة يحارب الإسلام محاربة شديدة هو وخلفه زين العابدين بن علي على أذكر مرة أن الحبيب بورقيبة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك أعلن للشعب التونسي بأنه سوف يلقي خطابا هاما بهذه المناسبة ودعا سماحة الشيخ الطاهر بن عاشور لحضور هذه المناسبة وقام الحبيب بورقيبة خطيبا قائلا أن صيام شهر رمضان سوف يضر بالاقتصاد , ذلك لأن فإن الشريعة الإسلامية تجيز الفطر في رمضان , لذا أطالبكم بعدم الصيام في رمضان والفطر فيه لكي لا يتضرر الاقتصاد الوطني وإليكم مفتي الديار التونسية يفتي لكم بجواز الفطر في رمضان درءا لجلب المضرة للبلاد . فقام الطاهر بن عاشور رحمه الله وقال ألهذا دعوتني فقال له نعم , فقال سماحة الشيخ قائلا : صدق الله العظيم وكذب الرئيس وتلي الآية الكريمة (( يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي اللذين من قبلكم ) فقال له سماحة الشيخ أتريد أن يلاقيني الشعب يوم الحساب قائلا لرب العباد إنا فطرنا في شهر رمضان بناء على فتوى الطاهر بن عاشور وهذا ولا أريد منصب مفتي الديار التونسية أجل أن ألبي رغباتك المخالفة للشرع الحنيف . رحم الله سماحة الشيخ الطاهر بن عاشور وأكثر الله من أمثاله في نصر دين الإسلام وقول الحق أمام سلطان جائر .
فالشاهد من هنا أن معظم رؤساء العالم العربي كانوا يناهضون الإسلام ويضطهدون الإسلاميين , ورأينا في الحلقات السابقة كيف وأن حزب النهضة الإسلامي في تونس لاقى أعضاءه معاملة جبارة من قبل زين العابدين بن علي وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي , وكذلك في جمهورية مصر العربية كيف وأن عبد الناصر أضطهد الإخوان المسلمون وأدخلهم السجون وأعدم بعضهم وشرد الباقين في دول الخليج , كما أنه حاول بالقضاء علي جامع الأزهر ذلك لأن الجامع الأزهر كان مستقلا يعتمد في دخله على أوقاف قد أوقفت عليه وكان ريعها عظيما يغطي نفقات الجامع الأزهر , حيث كان الجامع الِأزهر مستقلا يعتمد على ذاته وليس للحكومة أي تسلط عليه حيث كان شيوخ يقفون أمام حكام مصر حينما يخالفون الشريعة الإسلامية من تصرفاتهم وكان لا يخضعون لأي سلطة في البلاد إلا أن عبد الناصر أمم هذه الأوقاف وجعل الأزهر يعتمد على الدولة من مصروفاته , من هنا أصبح علماء الأزهر معظمهم لا يستطيعون مناهضته لأنه كان دكتاتوريا بل فروعونا من أحد فراعنة مصر الطغاة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل حول الجامع الأزهر إلى جامعة الأزهر وأضعف مناهجه الدينية وجعله كالجامعات الأخرى عدا بعض الكليات لزر الرماد في العيون وإليكم في ما يلي نبذة عن تاريخ جامع الأزهر.
· يعتبر الجامع الأزهر أحد رموز مصر الثلاثة هي النيل , والأهرامات والجامع الأزهر , إذ يكفي أيذكر اسم واحد من هذه الرموز حتى يقفز إلى الذهن اسم مصر , وقد قام جوهر الصقلي حين دخوله مصر سنة 358هـ وأسس مدينة القاهرة , لم يرغب في مضايقة السنيين في مساجدهم بإقامة شعائر المذهب الفاطمي (الإسماعيلي) كي لا يثير كراهية المصريين , لذا فقد وضع أساس الأزهر في يوم السبت 14 رمضان سنة 359هـ , وبدأ مسيرته المعمارية في شهر جمادى الأولي سنة 359هـ , اكتمل بناءه لأول مرة في شهر رمضان سنة 361هـ , وكان الجامع آنذاك مؤلفا من صحن مكشوف تكتنفه ثلاثة أروقة أكبرها رواق القبلة , والذي يتألف من خمسة صفوف من العقود , أربعة محمولة على عمد من الرخام تيجانها مختلفة الأشكال والصف الخامس وهو المشرف على الصحن محمول على أكتاف مستطيلة القطاع ويتوسط هذا الرواق مجاز مرتفع يتجه من الصحن إلى حائط القبلة , وينتهي بقبة تغطي الجزء الواقع أمام المحراب , كما كان يغطي طرفي الباتكة بناء مقبب , وفي آخر الرواق قبتان متماثلتان لم يبقى لهما أثر الآن .
· أما الرواقان الجانبيان فيتكون كل منهما من ثلاث بواتك محمولة عقودها على عمد من الرخام فيما عدا العقود المنتهية إلى الصحن فإنها محمولة على أكتاف مستطيلة القطاع كما هو الحال في وراق القبلة . ثم أضاف بقية الخلفاء العبيديين إصلاحات ونقوش وتوسعات . إذ عاش الأزهر في أيام العبيديين عصره الذهبي , حيث قاموا بصيانته حبسوا عليه الأوقاف الكافية لتأمين قيامه بنشر دعوتهم الإسماعيلية الباطنية والترويج لسياسة أئمتهم وحلفائهم . فلما انقرضت هذه الدولة تلاشت دعوتها المذهبية , ووقع هذا الجامع تحت وطأة الحرائق والزلازل وتجرأ الناس على اغتصاب أوقافه , بل جرده صلاح الدين من الحلية التي كانت في قبته من الفضة والتي كانت تزن خمسة ألاف درهم . وقد عاش الأزهر بعد ذلك حوالي مائة عام من الإهمال ولم يحدث فيه أي إصلاح أو تجديد .
الأزهر في أيام المماليك :
لقد أخذ الجامع الأزهر في أيام المماليك استعادة مجده , ولكن هذه المرة تحت راية أهل السنة والجماعة , ففي أيام الملك الظاهر بيبرس كان الأمير عزالدين أيدمر الحلي يقطن بجانب الأزهر , فنزعت نفسه إلى العناية به واستعادة بعض أوقافه من غاصبيها وجمع مبلغ من المال كما قام هو بالتبرع من عنده إضافة إلى ما أمنه له السلطان بيبرس من مال , فقام بترميمه وإصلاح الهاوي من أركانه وجدرانه وبعضه وأصلح سقوفه وبلطه .
كما قام الأمير بيبلك الخازندار ببناء مقصورة كبيرة برسم الفقهاء على المذهب الشافعي ومعهم محدث لتدريس الحديث , وجعل لهذه المقصورة أوقافا يعود ريعها عليهم وعليها.
· وفي سنة 702هـ ضرب القاهرة زلزال شديد تسبب بسقوط عدد من جوامع القاهرة , فبادر الأمراء المماليك إلى إعادة بناء الجوامع ومن ضمنها الجامع الأزهر , وكان ذلك في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون , وأخذ الأمراء المماليك يولون اهتمامهم بالجامع الأزهر إذ ألحقت به المدرسة الطبرسية الواقعة على يمين الداخل من الباب المعروف بباب المزنيين , وفي سنة 740هـ أنشأت المدرسة الأقبغاوية وتابع الأمراء المماليك صيانة المسجد , وكانت أهم عمارة أجريت في أيام الملك الأشرف قايتباي إذ أنها شملت جميع المسجد , وكان لها أثر كبير في صيانته لمدة طويلة .
وهكذا نرى أن المماليك أضافوا إلى الأزهر ثلاث مدارس هي : المدرسة الطبرسية , والمدرسة الأقبفاوية , والمدرسة الجوهرية نسبة إلى جوهر القنقباني الذي أنشأ هذه المدرسة .
الأزهر في عهد العثمانيين :
لقد اهتم العثمانيون بصيانة وترميم الجامع , حيث نجد أن الدكتورة سعاد ماهر محمد في كتابها (( مساجد مصر وأولياؤها الصالحون )) تقول : (( على الرغم مما أصاب الأزهر في العصر العثماني من التأخر والتدهور في الناحية الثقافية إلا أنهم لم يهملوه من الناحية المعمارية فقد عنوا بصيانته وتجديده , كما اهتموا بأهله والدارسين فيه )) .
الأزهر في أيام الخديوية والملكية :
وهذا الأيام امتدت من سنة 1220 وقد اهتم حكام مصر في هذه الفترة بتعمير وصيانة الجامع الأزهر .
إلى اللقاء انشاء الله في الحلقة القادمة
سامي زين العابدين حمّاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق