الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالي الحلقة 34
تطرقنا في الحلقة الماضية إلى تاريخ تأسيس الأزهر والعصور التي مر بها في عهد المماليك وفي عهد الدولة العثمانية وانتهى بنا الحديث في عهد الخديوية والملكية وفي هذه الحلقة سوف نتكلم عن تطور الأزهر حتى عهد عبد الناصر وسوف أتكلم في أول هذا المقال عن تاريخ الِأروقة من الأزهر .
أروقة الجامع الأزهر :
يرجع تاريخ الأروقة في الجامع الأزهر إلى السنوات الأولى من إنشائه , وذلك حينما قام
ابن كلس الوزير الأول للعزيز بالله العبيدي بتنظيمه الإزدواجي الذي جمع فيه بين إقامة الصلاة واستخدامه لبث العقيدة الشيعية الإسماعيلية , وكان ذلك في سنة 378هـ , وأصبحت بعد هذا التاريخ متلازمة مع تطور عمارة هذا الجامع حتى بلغ عدد الأروقة المخصصة للمصريين ثلاثة عشرة رواقا , كل رواق يحمل اسم مدينة أو منطقة من مناطق مصر .
أما الأروقة المخصصة لغير المصريين فقد بلغ عددها سبعة عشرة رواقا كل رواق يحمل اسما من أسماء المدن الإسلامية أو أحد أقاليمها مثل : رواق الحرمين أهل مكة والمدينة , رواق الدكارنة وهو خاص بالدكروريين وأهل سنار ودارفور .
وقد الغي هذا النظام في أيامنا هذه بعد أن كان معمولا به حوالي ألف سنة , إذ أصدرت الحكومة المصرية قرارا بالاستغناء عن جميع الأروقة وإنشاء مجمع سكن يقيم فيه جميع المجاورين أي القادمين للدراسة , وأطلق على هذا المجمع اسم مدينة البعوث الإسلامية , وقد انتهى العمل في بناء هذا المجمع سنة 1379هـ حيث باشر الطلبة سكناهم فيه , هذا وتتسع مدينة البعوث الإسلامية لنحو خمسة ألاف طالب وهي مكونة من 41 مبنى سكنيا كل مبنى مكون من ثلاثة طوابق وكل طابق مؤلف من شقتين . وفي المدينة مسجد يتسع لجميع المقيمين جرى تصميمه على الهندسة الإسلامية , وكذلك أقيمت مكتبة للمطالعة , إضافة إلى المرافق العامة الأخرى التي يحتاجها الطلاب في حياتهم اليومية والصحية .
الجامع الأزهر في مسيرته العقائدية :
إن الدور العقائدي الذي قام به الجامع الأزهر منذ أن أقيم في شهر رمضان سنة 361هـ وحتى يومنا هذا يعتبر من أعظم التحولات الدينية في تاريخ الإسلام . إذ اتخذ في بادئ الأمر مركزا للدعوة القرمطية العبيدية , وحينما انتهت الدولة العبيدية على يد صلاح الدين الأيوبي في اليوم الثالث من محرم سنة 567هـ , حينها أعلن صلاح الدين الأيوبي خلع الناصر آخر الخلفاء العبيديين ( الفاطميين ) . بعدها همش الأزهر وظل مسجدا تقام فيه الصلاة فقط دون الجمع , وظل كذلك حوالي مئة عام منذ أن استولى السلطان صلاح الدين على مقاليد الحكم سنة 571هـ إلى سنة 665هـ , وأعاد الظاهر بيبرس إقامة الجمع في هذا الجامع .
وفي الفترة التي حكم الأيوبيون فيها مصر همش الجامع الأزهر كمقر لنشر العلم واستعيض عنه بالمدارس التي أنشأت في كل من الديار المصرية والشامية , وكان التدريس فيها مقتصرا على المذهب الشافعي والحنفي والمالكي , وقد لقيت هذه المدارس العناية والرعاية من الخلفاء الأيوبيين , فعينوا فيها علماء أتقياء للتدريس وحبسوا لها الأوقاف السخية لتأمين رواتب موظفيها وتغطية نفقات صيانتها وصرف المكافآت العينية والنقدية لعلمائها وطلابها .
وحينما حكم المماليك مصر بعد أن انتهى الحكم الأيوبي سنة 648هـ عاد للجامع الأزهر رونقه ورد اعتباره سواء لجهة إقامة الجمعة أو لجهة استئناف دوره في الحياة الفكرية والتعليم الديني واستقطابه لزوار مصر من العلماء الذين كانوا ينتهزون فترة وجودهم فيها ويعرجون على الجامع للمشاركة في حلقاته العلمية أخذا وعطاء .
وعندما قام الرحالة المغربي ابن بطوطة في مصر في غضون القرن الثامن الهجري تعرف على عدد كبير من علماء الأزهر منهم شمس الدين الأصبهاني إمام الدنيا في المعقولات , ومنهم شرف الدين الزواوي والمالكي , ومنهم ركن الدين بن القويع التونسي من الأئمة في المعقولات وغيرهم كثير . وعند انتهاء حكم المماليك لمصر ودخول السلطان سليم العثماني القاهرة بعد معركة مرج دابق أصبحت مصر تحت حكم العثمانيين , ولكي نتعرف على الأزهر في تلك الفترة , نجد أن الرحالة المغربي أبو عبد الله محمد بن أحمد القيسي الشهير بالسراج و الملقب بابن ميلح حينما عرج على مصر قاصدا مكة من أجل أداء فريضة الحج قام بوصف الأزهر في تلك الفترة أي بين سنتي 1040 و1042هـ قائلا : (( وبعد أن تكلم عن جامع بن طولون وقال إن أعظم من هذا المسجد جامع الأزهر المشرقة أنواره والذي لا مسجد يعد له في قطر ولا نظير يماثله في مصر , أوقاته معمورة - ويقصد أوقات الصلاة- , وبأنواع العلوم ومغمورة قراءة وتقريرا لتفسير وحديث ونحو وبيان وأصول فقه ودين ... يتبع العلم من حيطانه ويسعى الغريب عن أوطانه , لا تجد سارية من سواريه خالية من علم مفيد أو متعلم مستفيد , تجتني من رياضة أزهار الكلام ويسمع في أرجائه أصارير الأقلام . ))
ومن أعظم مشايخ التعليم في هذه الفترة العالم العاهلي سيدي أبو الحسن الأجهوري , والعالم المبارك الحركة والسكون سيدي أبو العباس أحمد الشهير بالكلبي وكان مالكي المذهب , وغيرهما .
عصر الأزهر الذهبي :
يعتبر عصر السلاطين عصر الأزهر الذهبي , أي في خلال أواخر القرن الثامن وطوال القرن التاسع , إذ حظيت مصر بجمهرة من أعظم علمائها و كتابها مثل الحافظ بن حجر العسقلاني , وأبي العباس القلقشندي صاحب صبح الأعشى , ومؤرخ مصر الكبير تقي الدين المقريزي صاحب الخطط , وابن تفري بروي صاحب النجوم الزاهرة , وبدر الدين العتبي , وسراج الدين البلقيني , وشرف الدين المناوي , وشمس الدين السخاوي صاحب الضوء اللامع , وجلال الدين السيوطي . وكان الجامع الأزهر يومئذ يحتل مكانته الأولى بين الجوامع العديدة , حيث كان الأزهر في تلك الفترة يعتبر هو المدرسة الأم وهو الجامعة الإسلامية الكبرى , وما عداه فكانت تعتبر كالأفرع الصغيرة من الدوحة العظيمة .
وكان أكابر العلماء يتطلعون إلى شرف الجلوس والتدريس بالأزهر , وكان الأزهر مقصد سائر العلماء الوافدين على مصر من الشرق أو الغرب يؤمونه دائما عقب وصولهم ويتصدرون حلقاته , ومن أشهر العلماء الذين وفدوا على مصر في ذلك العصر العلامة ولي الدين بن خلدون , وجلس للتدريس فيه ودرس عليه جماعة من أكابر علماء مصر مثل ابن حجر والقلقشندي والمقريزي , وكان يدرس الحديث والفقه ونظريات العمران والعصبية وأسس الملك ونشأة الدول , ولقد ترك أثرا كبيرا في التفكير الحضري .
كما وفد إليها العلامة المغربي محمد تقي الدين الفاسي المتوفي سنة 842هـ ودرس بالجامع الأزهر , وكان محمد سمع عليه وأخذ عنه العلامة ابن حجر , ونستطيع القول بأن تلك الفترة هي عصر الأزهر الذهبي سواء من حيث مكانته العلمية أو إنتاجه الفكري خاصة وقد أبدى السلاطين في هذا العصر عناية خاصة , حيث كانت الأحباس والهبات الثابتة تتوالى على الجامع وطلبته , وكان من أشدهم حماسة السلطان الأشرف قايتباي 872هـ إذ كان حامي الأزهر وراعيه بحث , حيث قام بتجديده وأنشأ المنارة المسماة باسمه , وأنشأ به رباعا لسكن الطلاب ورصد أحباس كثيرة للعلماء والطلاب .
الأزهر وقت الاحتلال الفرنسي :
ظل الأزهر في ظل الحكم العثماني سائرا في طريقه قائما بمهمته العلمية بالرغم مما كان يحيط به من الصعاب ويعتريه من أسباب الضعف المادية والأدبية , وكان لحوادث الاحتلال الفرنسي أن زعزعت الدراسة بالأزهر وتعرض الأزهر للاحتلال , كما أغلقت زهاء عام أبوابه وكانت فترة عصبية من حياة الأزهر والأمة المصرية بأجمعها .
الجامع الأزهر وشيوخه قبل الثورة :
إن الأسرة الخديوية منذ أيام مؤسسها محمد علي باشا والملوك الذين انحدروا منها وكان آخرهم الملك فاروق الذي أطاح به الجيش في انقلاب 23 يوليو سنة 1952م , أعطت هذه الأسرة الجامع الأزهر من الهيبة المعنوية مما جعله محل احترام جميع المسلمين سواء في داخل مصر أو بقية أرجاء العالم الإسلامي , فقد كانت كلمة الجامع الأزهر في عهد هذه الأسرة تعني لعامة المسلمين أينما كانوا المرجع الديني الذي له حق الفتوى في القضايا الشرعية وفقا لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وبلغ مشايخ الأزهر منذ النفود يستعصى على التحدي سواء على مستوى العرش أو على مستوى الشعب في الديار المصرية , وأن ملوك مصر بلغ بهم احترام مشيخة الأزهر إذ كان الخديوي عباس باشا الأول يحضر دروس الشيخ إبراهيم البيجوري في الجامع الأزهر فلا يقوم له , بل يحضر له كرسي من الجريد يجلس عليه خارج حلقة الدرس , وفي أيام الملك فؤاد الأول أصدرت الحكومة قانونا يقضي بأن يكون شيخ الأزهر بصفته هذه عضوا طبيعيا في مجلس البلاط الملكي وفي المجلس العالي للأوقاف ورئيس المجلس العالي للأزهر , ورئيس مجلس إدارة الأزهر , ومدير إدارة أوقاف الأزهر ورئيس قسم الوعظ والإرشاد ورئيس مجلس إدارة القضاء الشرعي .
الجامع الأزهر في حاضره :
لقد تعرض الأزهر في العهد الجمهوري إلى تغير شامل فصدر في محرم 1381هـ القانون رقم 3 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها , حيث تنص المادة الثامنة على الهيئات التي يتكون منها الأزهر الجديد وهي :
1- المجلس الأعلى للأزهر 2- مجمع البحوث الإسلامية 3- إدارة الثقافة والبحوث الإسلامية 4- جامعة الأزهر
5- المعاهد الأزهرية .
وكما هو واضح من البند الرابع من المادة الثامنة فإن اسم الجامع الأزهر أزيل من الوجود ولأول مرة في تاريخه واستبدل به اسم جامعة الأزهر , وبناء على هذا القانون والمذكرة الإيضاحية الخاصة به أصبح الجامع الأزهر جامعة الأزهر وتضم الكليات التالية : 1- كلية الشريعة 2- كلية أصول الدين 3- كلية الدراسات العربية 4- كلية الزراعة
5- كلية الهندسة 6- كلية الطب .
وفي سنة 1382هـ أضيفت إلى الكليات المذكورة كلية البنات وتضم أربع شعب هي :
1- شعبة الدراسات الإسلامية 2- شعبة الدراسات العربية 3- شعبة الدراسات الاجتماعية 4- شعبة المعاملات والإدارة .
هذا هو الجامع الأزهر في حاضره بعد أن أزيل عنه اسمه التراثي و استعيض عنه باسم جامعة الأزهر , ولو أننا نرى في اسمه الأصيل لذة الأصالة في التراث التي فيها نكهة المجد والخلود مالا مثيل له في لذة التقليد في التجديد , وأيما كانت تأتي القوانين المستجدة من أسماء , فإن الجامع الأزهر هو الخالد الباقي من مجد الإسلام والمسلمين على مر العهود والأجيال .
وإلى اللقاء بالحلقة القادمة إنشاء الله
سامي زين العابدين حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق