الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة ((40)):
رأيت في هذه الحلقة أن أقارن بين الحكومة الإسلامية والحكومات الوضعية لأبين الفارق بين كل نوع من الحكومات الوضعية وبين الحكومة الإسلامية لكي يتعرف القارئ الكريم على الفروق التي تميز الحكومة الإسلامية عن الحكومات الوضعية مبتدئا بالحكومة الديكتاتورية .
الحكومة الإسلامية والنظام الديكتاتوري :
حينما ندرس هذا النوع من الحكومات نجده أبعد ما يكون عن النظام الإسلامي , فالنظام الإسلامي نجده يعتمد على حق الشعب في اختيار حاكميه , في حين أن الدكتاتورية عادة تركز السلطان المطلق في يد أفراد , فمثلا نجد ميكيا فلي يقول في كتابه ( الأمير ) بأن السياسة لا تتقيد بالأخلاق , ويدعو فيه إلى قوة السلطة وتركيزها في مواجهة الأفراد , وقد ساهم كثير من الفلاسفة والمفكرين والكتاب في توضيع وإرساء الدكتاتورية مثل الفيلسوف الألماني ( هيجل ) والكاتب الإنجليزي ( توماس ) و ( كارل شميت ) في ألمانيا. فنحن حين نستعرض أفكار هؤلاء جميعا وضيف إليها أفكار ( موسو ليني ) بصفة خاصة من الزعماء الدكتاتوريين , عندئذ نستطيع أن نصل إلى أن الدولة عندهم هي القيمة الوحيدة في الحياة الإنسانية , وهي إرادة الله على الأرض وهي الحقيقة الوحيدة الشاملة غير المحدودة , والقانون ليس إلا التعبير الموضوعي عن روح الدولة , ومن ثم فإن إطاعة القانون هي ذات الحرية , لأن هذا التصور الخالد المطلق للدولة يرفض قيام تناقض بين الضرورة والحرية .
ويعبر ( موسو ليني ) عن الدولة بقوله : الدولة هي المنطلق في مواجهة الأفراد والجماعات الذي يجب أن يكونوا دائما من الأمور النسبية تجاه الدولة , ذلك لأن الدولة ليست مجرد مؤسسة ذات أغراض مادية بحتة لضمان الأمن والاستقرار , ومستوى معيشي طيب , أو مجرد حارس لتأمين سلامة المواطنين دائما , الدولة تمثل الروح الخالدة للأمة . وإنها لا تلغي الفرد لكنها تجعله جنديا في كتيبة وتبقى هي في نفس الوقت التي تحدد نطاق الحرية من بعد أن تحول بينه وبين الحريات غير المضيعة , والدولة وحدها هي التي تقرر مدى ذلك النطاق .
من هنا نشعر مدى عظمة الحكومة الإسلامية ومدى التعسف والجبروت في الدولة الدكتاتورية , إذ نجد عبارات لا شيء خارج الدولة , ولا شيء فوق الدولة , ولا شيء ضد الدولة .
أما الإسلام فقد ضمن حقوق الأفراد في اختيار حكامهم , كما أن الحاكم قد وضعت له الشريعة السلطة التي يمارسها , متى يطاع ومتى لا يطاع , كما أن الناس في الإسلام متساوون , في حين أن الدكتاتورية عندها الناس ليسوا متساويين دائما , وإنما يختلفون اختلافا فرضته الطبيعة في كل شيء , وهم يختلفون اختلافا لا سبيل إلى التغلب عليه وتخطيه , بل يصرون بأنه ليس من الصالح التغلب على هذا الفرق أو تجاهله , وذلك لأن الناس في نظرهم مختلفون بحكم الطبيعة نفسها , وليس لمجرد اختلاف الظروف المحيطة بهم , وهذا الاختلاف ليس استثنائيا , وإنما هو أصل في حقائق الحياة عندهم , ومن هنا فهم يصرون على أن الخلق نوعان : خلق وجدوا ليحكموا , وآخرون وجدوا ليكونوا محكومين , وشتان بين الحاكم والمحكوم عندهم . وأنا أعتقد أن هذا لا يحتاج إلى مقارنة بالحكومة الإسلامية لأن أوجه الخلاف بين الاثنين واضحة , ولا يمكن أن تقارن بين الحكومتين , لأن الفرق بين الحكومتين كالفرق بين السماء والأرض , وكالفرق بين الثرى والثريا , فأنى للثرى من الثريا وأنى للأرض من السماء .
الحكومة الإسلامية والنظام الديمقراطي :
إن الفرق بين الحكومة الإسلامية والنظام الديمقراطي يكمن في الحريات , ذلك لأن الحكومة الإسلامية تقر الحريات العامة حسب ما هو مقر في الإسلام حريات مُثل وأخلاق لا حريات مطلقة الحصرية من المثل والأخلاق ذلك لأن منطق الديمقراطية يعتمد على أساس المذهب الفردي , وما ينبني عليه من حقوق وحريات الفرد الطبيعية ,إذ أن أساس هذا المنطق نابع من أن الإنسان الفرد يتمتع بحكم الطبيعة نفسها قبل وجود الدولة , وما السلطة السياسية فيها إلا من أجل حماية تلك الحقوق ودعم تلك الحريات , وبهذا فإن الدولة لا يجوز لها أن تمس تلك الحقوق والحريات أو أن تنال منها , حتى إنها إن أقدمت على أن تنال منها فإنها بهذا قد خالفت السبب الأساسي لوجودها , وخرجت عن سند شرعيتها . ونجد أن هذا المذهب يقدم مصلحة الفرد على الجماعة , ويعتمد في ذلك أن مجموع المصالح الفردية هو الذي يحقق في النهاية المصلحة الجماعية .
من هنا نرى اعتدال الإسلام في هذه الناحية , لأنه دين وسط لا إفراط ولا تشديد , فنجد أن الإسلام يقر الحرية الفردية على أساس أن تكون في حدود الأدب والخلق الإنسانية الرفيعة . إذ فرض الله على عباده قيودا أخلاقية يجب أن يتبعها الفرد , مثل عدم شرب الخمر والزنا , وتحجب المرأة وخلافه , وعدم الاختلاط , حتى يبقى المجتمع مجتمعا نحترم فيه القيم والأخلاق والمثل .
والحكومة الإسلامية حريصة على منفعة الجماعة كحرصها على منفعة الفرد , لأن الفرد حر في تصرفه ما لم يحدث ضرر للغير , فالشريعة الإسلامية حريصة على إقامة دولة تحترم فيها الحقوق والمثل والأخلاق والكرامات , بينما نجد أن الحكومة الديمقراطية تغالي في هذه الحقوق حتى يصبح الفرد وكأنه عائش في مجتمع بدائي لا تكبحه أي قيود , فهو يتصرف كيفما يشاء , وبهذا فهو أقرب إلى المجتمعات البدائية التي وجدت قبل وجود الدول , فهو يزني ويشرب الخمر ويختلط النساء بالرجال ولا يستطيع الأب أن يحكم ابنه متى بلغ السن القانونية , ولا حتى ابنته فهي تصاحب من الشباب من تشاء وتمشي مع من تشاء , حتى أن الفرد لو أراد أن يخرج في محلات معروفة بدون ثياب – أي عاريا – وكذلك المرأة فلهما ذلك .
ذلك لأن منطقها الأساسي بأن الفرد يجب أن يتمتع بحكم الطبيعة نفسها قبل وجود الدولة , وما الدولة حينما وجدت إلا لتحمي هذه الحريات من هنا نرى مدى عظمة الحكومة الإسلامية , وبقى هناك شيء واحد ربما تشارك فيه الحكومة الديمقراطية الحكومة الإسلامية إلا وهو حرية الشعب في اختيار الحاكم , كما أن الشعب له الحق في عزل الحاكم متى استدعت الظروف ذلك .
ومما تقدم نجد أن الحكومة الإسلامية قد وضع الله سبحانه وتعالى لها مقاييس الرذائل والفضائل , لكن الحكومة الديمقراطية جعلت هذا مطلقا , وهي التي تحدد هذا , كما أن الحكومة الإسلامية قد شرع الله لها من مختلف الشؤون , في حين أن الحكومة الديمقراطية هي التي تشرع للناس في مختلف الشؤون , كما أن الحكومة الديمقراطية لها الحرية في اختيار الحكام , بينما الشرع في الإسلام لا يجيز للشعب أن يختار إلا من اجتمعت فيه شروط معينة.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
سامي زين العابدين حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق