الأحد، 2 سبتمبر 2012

الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة ((41)):


الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة ((41)):

تعرفنا في الحلقة السابقة عن الفرق بين الحكومة الدكتاتورية والحكومة الإسلامية كما تعرفنا عن الفرق بين الحريات في الحكومة الإسلامية والحكومة الديموقراطية وفي هذه الحلقة دعنا نتعرف عن الفرق بين الحكومة الإسلامية والحكومة الثيوقراطية.
عندما ننظر من أول وهلة يظهر للإنسان أن هناك وجه تشابه بين الحكومة الإسلامية والحكومة الثيوقراطية, ويرجع ذلك أن كل منهما يرجع للدين والإله, ولكن يوجد هناك فرق كبير, إذ أن الثيوقراطية تعني حكم رجال الدين, أو يطلق عليها الحكومة الدينية, فهي بالرغم من أنها حكومة دينية إلا أنها لم يأت بها دين من الأديان السماوية, وإن قال بعض أتباع هذه الأديان باعتبارها اجتهادات أو تفسيرات لهم, وعلى كل فآيا كان الرأي في تسمية هذه الحكومات, وإن جاز إطلاق اصطلاح النظريات الدينية عليها باعتبار أن شأنها شأن الأديان في خصوصية نشأة الدولة وسلطتها السياسية تردها إلى قوة فوق قوة البشر وإرادتهم, هي إرادة الله, ونرى أن جميع هذه النظريات ترى أن الدولة هي من خلق الله, وأن السلطة في الدولة من سلطة الله, وبذلك فإن الدولة ليست مؤسسة سياسية إنسانية وإنما هي من أنظمة قانون الطبيعة.

وفيما نقوم بدراسة هذا النوع من الحكومات نرى أن نظريات هذه الدولة تدرج تدريجا يخفف من هذه الرابطة بالقدر الذي كان يتاح فيه للعقل الإنساني أن يحقق خطوة إلى الأمام, إذ نراها في بادئ الأمر كانت تعتبر الحاكم من طبيعة إلهية, فهو إله على الأرض, ثم تدرج بعد ذلك الأمر إلى أن وصل منطقهم إلى اعتبار أن الحاكم اختاره الله اختيارا مباشرا لممارسة السلطة باسمه على الأرض, ثم نجده بعد ذلك وصل هذا التطور إلى أن الحاكم اختير من عند الله, وأن ذلك يتم بطريقة غير مباشرة وسوف نقوم بتفصيل ذلك بالتالي:-
كان الحكام القدماء يعتبرون أنفسهم من طينة غير طينة البشر, إذ كانوا يعتبرون أنفسهم من طبيعة إلهية, إذ نجد في الهند القديمة والصين وفارس ومصر الفرعونية في عهد الأسر الحاكمة, أن الحاكم يعتبر نفسه ابنا للإله, وهو بهذا يعتبر من طبيعة غير بشرية, إذ كان يعتبر إلها هو نفسه.
ففي الدولة المصرية القديمة في عصر الأسرتين الرابعة والخامسة نجد أن الفرعون كان يلقب بلقب (رع) أي الإله, بينما في الأسرات الثلاث السابقة نجدهم اكتفوا باعتباره ابنا للإله, وبهذا فنجد أن وضع الحاكم كالإله, جعل سلطانه مقدسا فوق كل مناقشة أو نقد بشري, إذ أنه لا يجوز للبشر أن يناقشوا الإله.
لذلك كان سلطان الحاكم في تلك الفترة سلطانا مطلقا لا حد له, وكانت أوامرهم لا ترد. وحينما خطت الإنسانية إلى الأمام وترعرع الفكر الفلسفي اليوناني ووجد نزاع بين الكهانات الدينية, أصبح من غير المستساغ أن يعتبر الحاكم إلها أو ابنا للإله, بل ظل الوضع الفكري بأن يعتقد بأن الحاكم من طبيعة فوق طبائع البشر, وظل الأمر كذلك حتى ظهرت المسيحية, وكان على المسيحية أن ترفض هذه التكيف غير البشري للحكم, وتقدمت الإنسانية في هذا المجال نحو الخطوة الثانية, والتي بموجبها كان الحاكم بشرا ولكنه يحكم بمقتضى الحق الإلهي المقدس.
نظرية الحق الإلهي المقدس:-
نجد أن المسيحية قد خاضت صراعا رهيبا أعقاب ظهورها مع الأباطرة الرومان, وقد ذهب نتيجة لذلك آلاف الشهداء الذين ضربوا أروع الأمثال في إصرارهم على دينهم, وقد ثبتت أقدام العقيدة الجديدة من جهة, وبدأت تخف حدة الحماس من جهة أخرى, وبدأ ظهور نوع من المصالحة بين العقيدة الجديدة والسلطة الزمنية من جهة أخرى, حتى أنه ظهرت عبارة نسبوها إلى نبي الله عيسى عليه السلام, وأحيانا نسبوها إلى بولس وهي عبارة ( دع ما لقيصر لقيصر, وما لله لله ) وكان بمقتضى هذه المصالحة أن ترك الأباطرة الرومان رجال العقيدة الجديدة يمارسون شعائرهم ويدعون لدينهم وهم آمنون مقابل أن يترك رجالها السلطة الزمنية للأباطرة لا يشاركونهم فيها, بل يدعون لدعم سلطانهم وتأييده, وقد دعا آباء الكنيسة لذلك بقولهم: (( وأن الله وهو لا يحب لعباده الفوضى قد اختار لهم بإرادته حكاما أودعهم أمانة وفوض إليهم حكم رعاياه )).
من هنا نجد أن الطاعة يجب أن تكون لهؤلاء الحكام على الرعية, لأنهم يحكمون بمقتضى حق إلهي مقدس, وبمقتضى مشيئة إلهية اختارتهم للقيام بمهمة الحكم ومباشرة السلطة التي هي في الأصل لله عز وجل, إلا أنه أودعها هؤلاء الحكام. نجد أن هذا الوضع والتكيف الجديد أدى إلى نفي الطبيعة الإلهية عند الحكام, واعتبارهم بشرا, إلا أنهم أصبحوا يتمتعون بسلطان من الله, هذا السلطان يجب الخضوع له والامتناع عن مناقشته وإرجاء أمر هذا السلطان إلى الله, أما في هذه الدنيا فما للإنسان إلا السمع والطاعة, لأن الله هو الذي منح لهم هذه السلطة, وهو الذي سوف يحاسبهم عن كيفية ممارستها, وبهذا فإن البشر أصبح ليس لهم حق في مناقشة السلطان ولا يجوز لهم ذلك لأنه يمثل السلطة التي جاءت إليهم من عند الله.
وبهذا فإن الشعوب قد عانت كثيرا نتيجة لهذه المصالحة بينما أباطرة الرومان وآباء الكنيسة, ذلك لأن الشعوب لا سبيل لها إلا الخضوع لطغيان الحكام وسلطتهم التي لا حدود لها, لأنها كما كان يقال لهم سلطة الله سبحانه عما يصفون.
واستمر الحال كذلك ما يقارب خمسة قرون, وبدأت الإمبراطورية الرومانية تضعف رويدا رويدا, بل أخذت تدخل بدور الاضمحلال, وكان على رجال الكنيسة أن يجدوا مدخلا آخر يكيفون به الوضع الجديد غير الوضع الذي كان فيه سلطان الأباطرة هو المطلق, حيث أصبحوا من الضعف بحيث لم يعد من السائغ أن يقال بأنهم يمثلون الله على الأرض, وأن سلطتهم من سلطته وظهرت بذلك نظرية جديدة هي نظرية الحق الإلهي غير المباشر.
نظرية الحق الإلهي غير المباشر:-
لما اصاب الإمبراطورية الرومانية الوهن والضعف رأت الكنيسة أن يكون لها دور أكثر فعالية من ذي قبل, وأن يكون لها دور في السلطة لذا نجدها ذهبت مذهبا آخر مقتضاه أن الحكام يستمدون سلطتهم حقا من الله, ولكنهم يمارسونها حسب تكيف المرحلة الجديدة بموجب رضا الشعب المسيحي, وتحت إشراف الكنيسة ومراقبتها, وانطلاقا من هذا المذهب خرجوا بمنطوق أن الله وفقا للتكيف الجديد لا يختار الحكام اختيارا مباشرا, وإنما هو يوجد الحوادث توجيها من مقتضاه أن يختار المسيحيون بأنفسهم حكامهم, ولما كانت الكنيسة هي التي تمثل المسيحية فإنها لابد وأن ترضى عن هذا الاختيار وتباركه.
وعلى هذا فإن الحاكم لا يكون شرعيا إلا بعد أن تقوم الكنيسة له ببعض الطقوس التي تعبر فيها عن رضاها عنه, ولا يظل الحاكم شرعيا إلا إذا بقيت الكنيسة راضية عنه وفقا لوعد المسيحية التي تقررها الكنيسة وأصبح الوضع الجدير بأن الحاكم ليس له مطلق السلطان كما كان سابقا وأن حسابه ليس مؤجلا إلى الدار الآخرة, ولكن أصبح من حق الكنيسة مساءلته عن مدى متابعته للتعاليم المسيحية باعتباره مندوبا عنها لمباشرة السلطة الزمنية في إطار تلك التعاليم.
وقد ظلت الأمور كذلك في أوربا حتى بداية عصر النهضة في أوربا, وحتى في بداية النهضة أي في عهد الملوك الأقوياء مثل لويس الرابع عشر في فرنسا, كان يقول أن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق, فالله مصدرها وليس الشعب.
من هنا نرى مدى عظمة الإسلام وحكمته, ذلك لأن الإسلام تعاليمه واحدة لا تتغير بتغير الأيام والسنين, لأن مصدرها الحق سبحانه وتعالى. وأن الحاكم لا يتلقى وحيا من الله كما رأينا, إذ يغيرون ويبدلون وينسبون ذلك إلى الله. وإن الحاكم ليس له مطلق السلطة في الحكومة الإسلامية إذ تلزمه الشورى وتعاليم الدين الحنيف التي رسمها الله سبحانه وتعالى, وعلى الخليفة التمشي بموجبها, وإن تفسيرها متروك للعلماء, وأن طاعة الوالي واجبة مادامت في حدود الشريعة الإسلامية, ولأهل الحل والعقد الحق في عزل الحاكم إذا شذ عن تعاليم الإسلام, لأنه سبق وأن قلنا إن الحكومة الإسلامية تستمد سلطانها من الشعب, ونجد هنا نقطة هامة ذلك أن الحكومة الإسلامية تتبع قوانين شرعية من عند الله, وهذا لا يعني صلة الحكومة بالله, وهذا ليس نوعا من الكهانة, إذ إن المكلف بقوانين الله هم المسلمون جميعا, وإن الجميع خاضع للشريعة الإسلامية, إذ يجب على كل مسلم أن يتبع الشريعة من تلقاء نفسه. والحكومة الإسلامية عندما تطبق الشريعة المنزلة من عند الله فهي بهذا تقيم العدل والأمن والاستقرار, وتنظيم الحياة بين أفراد الشعب, وهنا نرى ونلمس مدى عظمة الحكومة الإسلامية, إذ لا تنطبق على أي نوع من الأنواع السابقة, كما أنها ليست من النوع الأوتوقراطي الذي يتفرد بالحكم فيها بعض الطبقات العليا, فهي تختلف عن هذا النوع, وبهذا نجد أن الحكومة الإسلامية شمولية عن جميع أنواع الحكومات, ولو قمنا بمقارنة كل نوع مطبق في عصرنا هذا من اشتراكية أو خلافها لوجدنا أن نوع الحكومة الإسلامية نوع فريد لا يقارن بأي نوع من أنواع الحكومات مهما كانت صفاتها, ومهما بلغت فيها العدالة, فإنها لا تترقى إلى الحكومة الإسلامية بأي حال من الأحوال.
و خلاصة القول إن الحكومة الإسلامية نظام منتقى لا يصل إلى مستواه أي نوع من الحكومات  ولا يرقى إلى سموها وعظمتها أي تنظيم مهما بلغ واضعوه من الرقي العقلي والتفكير الإنساني, ذلك لأنها منزلة من عند الله سبحانه وتعالى خالق الكون ومبدع الإنسان من العدم, فهل يرقى الإنسان في تفكيره إلى مستوى خالقه, وهل يستطيع الإنسان أن يصل إلى وضع قوانين قادرة لتسير هذا البشر مثلما وضعها الحق سبحانه وتعالى, لذا فإن الشريعة الإسلامية هيئت للحاكم والمحكوم العدل والاستقرار فبينت حق الحاكم تجاه الشعب, وحق الشعب تجاه الحاكم وبينت جميع الأحكام في معاملة الناس تجاه بعضهم البعض, فالشرع الإسلامي ليس قيدا للمسلمين وسلبا لحرياتهم ولكنه تنظيم لحياتهم ودعم لحرياتهم, لأن غاية التشريع الإسلامي سعادة المسلمين وقوة لهم واتحاد, وهي تهدف لخلق أمة مسلمة مترابطة كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا, لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى, الجميع أمام الشرع سواء.
ومن هنا ندرك أنه لا يوجد في الإسلام حكومة دينية مثل ما كان هو مطبق في العصور الوسطى في أوربا, وإنما الحكومة الإسلامية هي حكومة مدنية تطبق الشريعة الإسلامية على المسلمين فقط وتكفل الحريات لجميع الأديان الاخرى في ممارسة تقوص دياناتهم وإقامة كنائسهم ومعابدهم دون أي تميز بينهم وبين المسلمين, وتكفل الحريات للجميع, تحت شعار المثل والأخلاق.    


                                         إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
                                         سامي زين العابدين حماد   
    

ليست هناك تعليقات:

تابعني علي التويتر