الربيع العربي قادم وإلى الربيع الإسلامي هو ذاهب بإذنه تعالى الحلقة
((45)):
تكلمنا في الحلقة الماضية عن مقارنة الحكومة الإسلامية بالحكومات
الوضعية ولمسنا الفارق الكبير بين الحكومات, وفي هذه الحلقة سنتكلم عن معنى
الوزارة في الفقه الإسلامي.
فالوزارة هي أم الخطط السلطانية والرتب الملوكية, ذلك لأننا دائما ما
نجد اسمها ما يدل على مطلق الإعانة, فالوزارة فهي أما مأخوذة من المؤازرة وهي
المعاونة, أو من الوزر وهو الثقل, ذلك لأنه يحمل مع مفاعله أوزاره وأثقاله, وهو
راجع إلى المعاونة المطلقة فلا تعدوا أحوال السلطان وتصرفاته عن أربع أمور:
1) إما أن تكون في أمور
حماية الكافة وأسبابها من النظر في الجند والسلام والحروب وسائر أمور الحماية
المطالبة, وصاحب هذا هو الوزير المتعارف في الدول القديمة بالمشرق ولهذا العهد
بالمغرب.
2) كما يمكن أن تكون في
أمور مخاطبته لمن بعد عنه في المكان أو في الزمان, وتنفيذه الأمر فيمن هو محجوب
عنه, وصاحب هذا هو الكاتب.
3) وربما تكون في أمور
جباية المال وإنفاقه وضبط ذلك من جميع وجوهه, أن يكون بمضيعة وصاحب هذا هو صاحب المال
والجباية هو المسمى بالوزير, لهذا العهد بالمشرق.
4) وربما تكون في مدافعة
الناس ذوي الحاجة عنه أن يزدحموا عليه فيشغلوه عن فهمه, ولهذا راجع لصاحب الباب
الذي يحجبه فلا تعد هذه الأربعة بوجهة.
شروط من يتولى الوزارة:-
لقد أورد الثعالبي في كتابه تحفة الوزراء, أنه ينبغي أن يختار للوزارة
من اجتمعت فيه الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة وعرف بالآراء السديدة وجودة
التدبير وصواب الآراء المفيدة فتكون فيه العدل والنزاهة والشجاعة والسياسة, وإذا
كان زمان الصلح والهدنة يصلح أن يكون الوزير حليما ساكنا, وإذا كان زمان الفتن
والحروب يصلح أن يكون شجاعا صارما. وقال الثعالبي: أن بعض الفضلاء قالوا شرائط
الوزارة خمسة:-
1) العدل ليكون منصفا في
حكمه وتسلم الرعية من ظلم غيره وظلمه.
2) الأمانة ليفي ما عليه
ويستوفي ماله ولا يجتزل لنفسه فتسير عماله بسيرته.
3) الكفاية, وهي العلم
بالأعمال الديوانية والتصرفات, ووجوه تثمير الأموال والاستخراجات, فيضع الأمور في مواضعها
ويرتب الأعمال على قواعدها.
4) السياسة, فيعرف مدارة
الجند وتأليفهم وجمعهم وتفريقهم, ويكون خبيرا بالمكائد الحربية والخدع وحفظ البلاد
والثغور والقلاع.
5) أن تجتمع فيه الخشونة
واللطف, فيخشن على القوي حتى يلين عريكته, ويلين للضعيف حتى ينال من الإنصاف بغيته,
ويكون بذلك مقداما على المخاوف, جسورا على الأهوال, إن اضطر إليها, محجما عن
التعزيرات إن منع الرأي السديد عنها.
وقال أبو زيد البلخي في صفة الوزير الكامل: ينبغي أن يكون جامعا لخصال
الخير ومحاسن الشيم, تجتمع فيه البشاشة و الوقار, والحلم والهيبة, والإقدام والثبات,
ليضع كل شيء في موضعه. هذا مع العفة والنزاهة وعزة النفس, والعلم بضاعة الكتابة
وضوابطها وحسن العبارة والعلم بالسير والأخبار الماضية, فإنها تفيد الاطلاع على
التجارب والعوائد, وليكن ذا هيئة جميلة وصورة مقبولة, وإن كان قد بلغ رشده وبلغ
الأربعين سنة كان أحمد وأوفق وأكثر حكمة وتجربة.
وقال الماوردي في صفة الوزير: حكي المأمون رحمه الله كتب في اختيار
وزير أني التمست لأموري رجلا جامعا لخصال الخير, ذا عفة في خلائقه واستقامة في
طريقه, قد هذبته الآداب وأحكمته التجارب, إن أوتمن على الأسرار قام بها, وإن قلد
مهمات الأمور نهض فيها, يسكته الحلم وينطقه العلم, وتكفيه اللحظة وتغنيه اللمحه,
له صولة الأمراء وأناة الحكماء, وتواضع العلماء, وفهم الفقهاء, إن أحسن إليه شكر,
وإن بتلى بالإساءة صبر, لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده يسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه
وحسن بيانه.
وقال الثعالبي في كتابه تحفة الوزراء: ( وقيل أضر ما على الملك أن
يكون وزراءه ونوابه يجيدون القول ولا يجيدون العمل, فيركن لأقوالهم وتختل المملكة
بإهمالهم أو بقبح أعمالهم ).
وقال بعض الحكماء: إذا رأيت الوزير يجمع المال لنفسه فأبعده فلا خير
فيه, لأن حب المال يغطي على العقل, ويمنعه من مشاهدة المصالح, وإذا رأيت الوزير
يحب الصيت والذكر لنفسه مع إهمال جانب الملك فلا خير فيه, فإنه قد كفر نعمة الملك
وهو السبب فيما قال من ذلك.
حق الملك على الوزير:-
لقد أورد الثعالبي أن للملوك على الوزراء ثلاثة:-
الإخلاص في النصيحة وبذل الجهد في إقامة صحة المملكة, ودفع الآفات
عنها, وأما تفصيل ذلك فهي حقوق متعددة منها مستحبة ومنها متأكدة, ومنها الإخلاص في
النصيحة والود, فلا يضمر له غشا, ولا يدخر عنه مالا ولا نفسا, ولا يراجي عليه عدوا
ولا يطوي عنه نصيحة يحتاج إلى إعلامه بها, ومنها إظهار محاسنه إن خفيت, ونسبة
أفعاله الخير إليه وستر مساويه إن ذكرت.
ومن التواضع له والإجلال لقدره في الحضور والغيبة, وقد قيل كلما زادك
الملك إكراما فزده تواضعا, ومنها تنفيذ أوامره بعد أن يتأملها, فإن رأى خلل سده أو
خاف مكروها سعى في إزالته, والأدب في ذلك أن يجيب بالسمع والطاعة.
ومنها تعجيل عطاياه وأوامره سيما إذا علم اعتناءه به أو تأكيده الوصية
في حقه, وكذلك يجب تعجيله ما يطلق لولاة الثغور, ومنها السعي في عمارة البلاد
وإصلاح خللها وتثمير الأموال والمزروعات وتحصيل آلات العمارة والترغيب في ذلك فإن
بالعمارة تغزر الأموال وبالأموال تشمخ الممالك وتكثر الأعوان.
ومنها حسن النظر في أمر الجند فلا يؤخر عنهم العطاء ولا يلجئهم إلى
الشغب والغوغاء ويسوسهم بما يديم طاعتهم ويؤلف كلمتهم.
حقوق الوزراء على الملوك:-
ذكر الثعالبي أنه ينبغي للملك أن يعتمده في حق الوزير ما يلي:-
أن يمكنه من التصرف ويحكمه من التدبير إن كان وزيرا مطلقا حتى تنفذ
تصرفاته وتستقيم سياسته.
أن يرفع من قدره وينوه باسمه بما يتميز على أبناء جنسه بتشريفه في
ملبسه ومركبه ومجلسه وفي تلقيبه وتكنيته على ما تجرى به عادة اصطلاح أبناء الزمان.
أن لا يسمع كلام الوشاة والمتعرضين فإنه مقصود ومحسود, والحسود لا
يبقي ولا يذر بل يحب أن يعرض له بما بلغه عنه مما يكرهه أو لا يستصوبه فإن كان
صحيحا اعتذر وإن كان كذبا وتمويها برهن عن نفسها يزول الشك منه.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
سامي زين العابدين حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق