العولمة و اثرها على اقتصاديات العالم الاسلامي (12)
في الوقت الذى كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال مستعرة ،اجتمع
مندوبو الدول الحلفاء في فندق ما ونت واشنطن ببلدة برايتون دوز بولاية نيو هامشير
الامريكية للمشاركة في المؤتمر النقدي و المالي للأمم المتحدة ،توافد المشاركون من
1/22يوليو1944 ووقعت الاتفاقية في اليوم الاخير للمؤتمر .
ووجد ممثلو الدول المجتمعة ان قاعدة الذهب لم تكن مرنة ، ولم تساعد
على تجاوز الازمات الاقتصادية ،مما جعلهم يقررون الاستعاضة عنها بنظام جديد مبنى
على اساس تحديد سعر لكل عملة مقابل كل من الدولار و الذهب ،ووفقا لهذا النظام فقد
اصبحت اسعار الصرف ثابته و قابلة للتعديل في الوقت نفسه ،وحينما تجد الدولة
المعنية ان قيمة عملتها قد ابتعدت كثيرا عن مستوى الاسعار السوية او الصحيحة ،فان
لها الحق ان تتفق مع صندوق النقد الدولي الذى احدث في برايتون ودوز
لتعديل عملتها .
و من اجل انشاء نظام نقدى دولي قام المخططون في برايتون ودوز بإنشاء
صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير الذى يعتبر جزءا من مجموعة
البنك الدولي ، وبذات هذه المنظمات في العمل في عام 1945 بعد تصديق عدد كافي من
البلدان على الاتفاقية .
و كانت الملامح العامة لنظام برايتون ودوز هي الزام كل بلد بوضع سياسة
نقدية تحافظ على سعر الصرف بربط عملتها بالدولار الامريكي و قدرة صندوق النقد
الدولي .
و في هذا المؤتمر برزت هيمنة الولايات المتحدة الامريكية و سيطرتها
على اعماله ،اذ اعتمد المؤتمر في مقرراته اعتمادا اساسيا على خطة الامريكي (هاري
دكستر وايت ) التي تعكس وجهة النظر و المصلحة الامريكيتين، واستبعد استبعد مشروع
(جون مينارد كينز ) الذى يمثل مصلحة بريطانيا ،و قد توصل المؤتمر الى وضع اتفاقيات
تم بموجبها إنشاء صندوق النقد الدولي و المصرف الدولي للإنشاء و التعمير.
وكان الهدف من إنشاء الصندوق تشجيع التعاون النقدي الدولي و العمل على
تحقيق النمو المتوازن للتجارة الدولية، و تجنب فرض القيود على المدفوعات الخارجية
, و الوصول الى نظام متعدد الاطراف للمدفوعات الدولية , و التخلص من القيود
المفروضة على الصرف ، و العمل على ثبات اسعار الصرف بين عملات البلدان الاعضاء .
و يعد نظام ثبات اسعار صرف العملات حجر الزاوية في مؤتمر برايتون ودوز
، اذ يقوم هذا النظام النقدي الجديد على اساس ( قاعدة الصرف بالدولار الذهبي ) و
بذلك تحول الدولار من عملة محلية امريكية الى عملة احتياط دولية .
و بموجب احكام الصندوق يجب على كل دولة عضو ان تحدد قيمة تبادل عملتها
الوطنية بالنسبة الى الذهب او بدولار الولايات المتحدة الامريكية ،و قد التزمت
الولايات المتحدة الامريكية امام المصارف المركزية للدول الأعضاء بتبديل حيازتها
من الدولارات الورقية بالذهب و على اساس سعر محدد و ثابت و هو 35 دولار للوقية ، و
سمح الصندوق بتقلبات اسعار صرف عملات البلدان الاعضاء ضمن هامش محدد ، و اذا تجاوز
سعر صرف عملة ما هذه الحدود ،فانه يجب على البنك المركزي ان يتدخل في السوق بائعا
او شاريا لعملته الوطنية من اجل اعادة السعر الي الهامش المسموح به .
و من اهداف الصندوق ايضا منح المساعدات للأعضاء لمعالجة الخلل المؤقت في موازين مدفعاتهم ، وتسيطر مجموعة البلدان العشرة الصناعية
الرأسمالية على ثلثي الاصوات داخل الصندوق
.
و قد استمر العمل بهذا النظام
حتى 15 اغسطس عام 1971عند ما اعلن الرئيس الامريكي ( ريتشارد نيكسون ) عن وقوف
تبديل الدولار الى ذهب ، و هو اهم اركان نظام برايتون ودوز .
و قد حقق هذا النظام في اول الامر نجاحا كبيرا في تحقيق النمو و الاستقرار
الاقتصادي و النقد الدولي ، و لكن مع تزايد
القوة الاقتصادية و السياسية لأروبا الغربية و اليابان على المسرح الدولي
من جهة ، و دور البلدان الاشتراكية و النامية من جهة ثانية ، فقد ظهرت معطيات
جديدة تتعارض مع ثبات اسعار صرف العملات ، كما تتعارض مع الهيمنة الامريكية على
الاقتصاد العالمي من هيمنة عملتها المحلية على النظام النقدي الدولي .
و بالرغم من تعديل اتفاقيات برايتون ودوز اكثر من مرة ،فإن آلية ثبات
سعر صرف العملات قد الغيت تماما من الناحية العملية ،و بدأت مرحلة جديدة هي مرحلة
التعويم التي تعني ترك سعر صرف العملة يتحدد بحرية وفق آلية العرض و الطلب .
الى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
سامي زين العابدين حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق